25.9 C
تونس
21 سبتمبر، 2024
غير مصنف

منشآت مهملة وملاعب بلا صيانة: افلاس خزينة أم تهميش سياسي للرياضة؟

الرياضية – هاني إبراهمي

خاضت أندية الترجي الرياضي والنجم الساحلي والنادي الصفاقسي مبارياتها الثلاث الأولى في دور المجموعات لمسابقتي رابطة الأبطال وكأس الكونفيدرالية الإفريقية في مسرح وحيد وهو ملعب حمادي العقربي برادس، وذلك في ظل عدم انتهاء الأشغال التي يحتضنها الملعب الأولمبي بسوسة وعدم صلوحية ملعب الطيب المهيري لاحتضان المباريات الافريقية رغم أنه قد احتضن مواجهات السي اس اس في الأدوار التمهيدية لكأس “الكاف” في شهر سبتمبر من السنة الماضية.

وفي ظل اهتراء البنية التحتية الرياضية في بلادنا سنة بعد أخرى بسبب غياب الصيانة الدورية، وصل بنا الحال اليوم لامتلاك ملعب وحيد صالح لاستقبال المباريات القارية، وعدم وضوح الرؤية في ما يتعلق ببقية الملاعب وخاصة ملعبي الشاذلي زويتن والمنزه بالإضافة لملعبي صفاقس وسوســة.

إجراءات مُضنيـــة وخزينة مُنهكـــة

ويبقى السؤال المطروح في هذه الوضعية بشــأن الدوافع الحقيقية وراء التعطيل الحاصل على مستوى صيانة تلك الملاعب، فهل أن إفلاس خزينة الدولة وطول الإجراءات الإدارية هو السبب أم أن هذا التعطيل هو نتاج تهميش سياسي للرياضة التونسية ؟

سؤال يجيب عنه الناطق الرسمي بإسم وزارة الشباب والرياضة شكري حمدة في حديثه للرياضية، حيث يقول ان ملعب الشاذلي زويتن سيكون مؤهلا قريبا لاحتضان المباريات بحضور الجمهور بما أن الوزارة ستعقد جلسة في الفترة المقبلة مع بلدية تونس للنظر في الإشكاليات الموجودة التي تحول دون استغلاله خاصة على المستوى القاري وأن عدم تأهيله إلى حد الآن يعود للبلدية التي لم تنته من أشغال رفع السور بالشكل الذي طُلب منها من طرف الجهات الأمنية بالإضافة إلى عملية صيانة حجرات الملابس وتحسينها بما يتلاءم مع المواصفات المحددة مسبقا مشيرا إلى أن الوزارة قد صرفت ما يقارب 5 ملايين دينار على هذا الملعب في الفترات والسنوات الفارطة وفي مناسبات مختلفة.

ويضيف محدثنا أن أشغال الصيانة في الملعب الأولمبي بالمنزه لم تنطلق بعد بسبب طول مدة الإجراءات الإدارية والقانونية التي تسبق انطلاق الأشغال مثل رصد الأموال وطلب العروض وغيرها، لكن كل تلك الإجراءات قد انتهت بنجاح في الأيام القليلة الماضية وتم منح المقاول المشرف على المشروع الإذن بالتزود والنشاط وهو ما سيجعل الأشغال تنطلق في هذا المعلم التاريخي الرياضي في أول شهر مارس المقبل على أقصى تقدير.

وفي ما يتعلق بملعب الطيب المهيري، يقول شكري حمدة ان الإتحاد الإفريقي لكرة القدم طالب بتحسين العشب وانهاء الأشغال التي يحتاجها و تغيير الإنارة والسبورة اللامعة وأن الوزارة خصصت في وقت سابق 20 مليون دينار سيتم من خلالها تطبيق كل ما طلبه “الكاف” ليكون الملعب جاهزا في غضون 3 أو 4 أشهر على أقصى تقدير مشيرا في الآن ذاته إلى أن وزارة الشباب والرياضة ستعقد جلسة مع بلدية صفاقس الأسبوع المقبل لتحديد موعد انطلاق أشغال الصيانة اللازمة.

ويقول الزميل الصحفي أيمن زروق ان خزينة الدولة في الوقت الراهن لا تحتمل مزيدا من المصاريف خاصة  أن الاقتصاد التونسي في تراجع يومي في كل المجالات تقريبا وليس الرياضة فقط، وأن الإشكال الحقيقي يكمن في الاعتمادات غير الموجودة أحيانا ولا يمكن توفيرها أحيانا أخرى، بالإضافة لارتفاع قيمة الأشغال من الناحية المادية سنة بعد أخرى  وهو ما يجعل من استكمال أي أشغال أمرا صعبا، فمثلا لو تم رصد 20 مليون دينار لإصلاح ملعب معيّن ستصبح متطلبات تلك الاصلاحات أكثر من ذلك بعد فترة وجيزة وهو ما يربك مخططات الهياكل المشرفة على ذلك ويجعلها مجبرة على تخصيص اعتمادات إضافية في كل مرة.

كما يؤكد زروق أن الإشكال مادي بالأساس وأن ما وصلنا إليه اليوم من حالة كارثية لجل الملاعب في كامل الجمهورية التونسية هو نتاج لعشر سنوات من الخراب والأزمات المالية وأن كل الأطراف التي تسعى لإيجاد الحلول المنـــــاسبة  لهذا المشكل لا تنفك أن تقدم في كل مرة حلولا ترقيعية، مختتما حديثه بالإشارة الى عدد الوزراء والمسؤولين الذين تداولوا على المناصب منذ سنة 2011 إلى اليوم والذين لم يقوموا بأي تنسيق ولم تضمن الاستمرارية اللازمة بين عمل كل منهم ومن يليه في تلك المناصب.

تهميش سيــاسي ولامبــالاة بصورة البـلاد

ويوجد رأي آخر يرى أن الوضع الذي آلت إليه الملاعب اليوم هو نتائج لغياب الإرادة السياسية وسير في اتجاه تهميش المرافق الرياضية من قبل السياسيين، وهو رأي يعبر عنه رئيس لجنة الشباب والرياضة ببلدية تونس عماد الدبابي الذي يقول ان كل السياسيين لم يتكلموا يوما ما في حملاتهم الانتخابية عن الرياضة التونسية والمنشآت والتي هي من آخر اهتماماتهم ان لم تكن آخرها فعلا.

وبخصوص ملعب المنزه يقول الدبابي في حديثه مع الرياضية ان هذا الملعب مهدد بانهيار مدارجه في أي لحظة وحتى من ناحية العشب فقد انتهت صلاحيته منذ سنوات خلت ويجب إعادة تعشيبه، أما بالنسبة لملعب الشاذلي زويتن الذي يخضع لإشراف بلدية تونس (عكس المنزه الذي يخضع لإشراف وزارة الشباب والرياضة)، فهو لا يشوبه أي إشكال لا من ناحية العشب ولا المدارج ولا حجرات الملابس بل أن الجدار الحديدي الداخلي للملعب قد تم استبداله بالكامل وفق ما اشترطته لجنة صلوحية الملاعب في وقت سابق، لكن المشكل الحقيقي الحالي لهذا الملعب هو الجانب الأمني الذي يرفض في كل مرة تأمين المباريات ويشترط إضافات أخرى في الملعب كالجدار العلوي فوق المدارج الذي طالبت الجهات الأمنية برفعه أكثر وهو ما يتعارض مع قياسات تلك الجدران في كل الملاعب.

كما أشار محدثنا إلى أن الحضور الجماهيري لن يطرح أي إشكال بما أن العدد المسموح به من طاقة استيعاب الملاعب في الفترة الحالية لا يتجاوز الـ50 بالمائة (نظرا للظروف الصحية وحتى الامنية) وهو ما يجعل حضور المشجعين ممكنا حتى لو اضطرت بلدية تونس لفرض خروج تلك الجماهير من الأبواب الخلفية للملعب التي تفتح باتجاه الطريق الرئيسية بجانب حديقة البلفيدير لتجنب اي فوضى أو ما شابه في صورة تشكي المتساكنين وهو أمر يحيلنا على أن الحلول موجودة وواضحة.

ويقول المستشار ببلدية سوسة ورئيس لجنة الشباب والرياضة سابقا هناك، مكرم اللقام، ان قانون الصفقات العمومية هو الذي حال دون انتهاء الأشغال في موعدها المحدد مسبقا بالإضافة لكثرة الإجراءات في كل طلب عروض لجزء من المشروع، موجها دعوته لرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومـة بالتدخل العاجل للحصول على ترخيص استثنائي يمكن البلدية من استلام بقية المبالغ لكي يتسنى لنفس المقاول اكمال كل النقائص الحالية في الملعب الأولمبي بسوســــة وتجنب الإجراءات الإدارية المضنية.

وأشار اللقام إلى أن أصل المشروع لا يشمل منصة الصحفيين والإنارة والسبورة اللامعة وكراسي المدارج حيث تم رصد تكلفة 4630 كرسيا فقط، لكن وزارة الشباب والرياضة رأت بعد ذلك أنه من الصالح  استكمال جميع النقائص لكي يمكن للمنتخب الوطني التونسي خوض مبارياته في الملعب، مشيرا إلى أن المدة الزمنية التي تستحقها بقية الأشغال المتبقية والتي وصفها بالبسيطة لهذا الملعب، لا تتجاوز الأسبوعين من العمل لكن الأمر متوقف على رصد الاعتمادات المالية التي ستستغرق إجراءاتها القانونية فترة ليست بالقصيرة، حسب قوله.

ويقول رئيس لجنة المسابقات بالجامعة التونسية لكرة القدم أمين موقو في حديثه للرياضية ان المشكل الأساسي الذي يعترض الجامعة في هذا الموضوع هو الصعوبات في برمجة المباريات المحلية والإفريقية مشددا على أن الدولة يجب عليها أن تسخر الأموال والاستثمارات اللازمة في هذا الصدد وأن ناقوس الخطر قد دق فعلا من هذه الناحية وأن الوضعية قد أضحت صعبة للغاية، خاصة بعد أن أجبرت ثلاثة أندية على لعب مبارياتها في ملعب واحد وهي مشكلة عسيرة ومعقدة  في صورة تواصلها بما أن تجاوزها سيكون أصعب في كل مرة إن تكرر الأمر.

 وأكد موقو كذلك أن اشكاليات ملاعب المنزه وزويتن وأولمبي سوسة والطيب المهيري يجب أن تؤخذ بأكثر جدية من قبل هياكل الدولة خدمة لصورة تونس والبطولة التونسية والمشاركات الافريقية للأندية والمنتخب، وهي صورة ستكون أفضل بالتأكيد عند توفر وجاهزية الملاعب في مختلف ولايات الجمهورية على غرار بنزرت والمنستير وباجة وغيرهم. وتبقى مصلحة الرياضة التونسية وخاصة كرة القدم رهينة وعود المسؤولين ومدى مصداقيتها في بلد وصلت منشآته الرياضية لأتعس الحالات وبلغت أحلك الفترات، لكنه لازال صامدا بجهود الشرفاء والغيورين عليه، أملا في مستقبل أفضل في كل المجالات وليس في الرياضة فقط.

آخر الأخبار