الرياضية – هـــاني ابراهـمـي
حقق المنتخب الوطني التونسي انتصارين اثنين في مستهل تحضيراته للمحفل العالمي، كأس العالم فيفا قطر 2022 ضد كل من الشيلي واليابان دون أن تتلقى شباكه اي هدف وبمردود طيب للغاية بإجماع أغلب المتابعين والمحللين، ولكن جماهير المنتخب والشارع الرياضي التونسي باتت تخشى من تكرر سيناريو مونديال 2018 عندما أظهر نسور قرطاج وجها مميزا في الوديات أمام منتخبات عملاقة كإسبانيا والبرتغال وكرواتيا وتركيا ثم تلقى خماسية أمام بلجيكا وخسر بمرارة ضد انقلترا مقدما انذاك وجها شاحبا لم نتعرف من خلاله على منتخبنا بحكم تراجع الآداء مقارنة بالوديات التي سبقت المونديال الروسي…
ولا يعدّ الأمر مستحدثا، فمنتخبنا الوطني يحتفظ بذكريات سيئة في نهائيات أمم افريقيا 1994 بعد تألق ملفت في الوديات..ويبقى السؤال المطروح هنا عن سرّ تألق المنتخب الوطني في الوديات وتعثره في الرسميات، فهل هو إشكال ذهني أم خلـل فنّــي ؟ الضغط النفسي وتهويل نتائج الوديات سبب الفشل سؤال يجيب عنه اللاعب الدولي السابق والمتوج بكأس أمم افريقيا 2004 مع المنتخب، أنيس العياري في حديثه مع الرياضية، حيث يقول ان سبب تباين مستوى المنتخب بين الوديات والرسميات هو الضغط الكبير الذي يُسلط على اللاعبين والإطار الفني في المواجهات الرسمية وخاصة في كأس العالم، خاصة أن أي لاعب مهما علا شأنه لن يستطيع تقديم كل ما يملكه من امكانات تحت الضغط .
ويضيف العياري بأنه يجب تجنب الضغط على اللاعبين ومطالبتهم بالترشح للدور الثاني في المونديال ويجب أن يكون الهدف الأول هو الاستمتاع باللعب في المونديال وعدم التفكير في النتائج لكي يتسنى للاعبين تقديم وجه مشرّف، مشيرا إلى أن الإعداد الذهني الجيد لمثل هذه الإستحقاقات والتعود على النسق القوي للمباريات هما مفتاح النجاح بالاضافة لالزامية تركيز الإطار الفني على الجانب التكتيكي والبدني اللذان يمثلان الوسيلة الأولى لإظهار الوجه الحقيقي للمنتخب.
وأكد محدثنا أهمية الجانب الذهني الذي يعتمد على الإيمان بالنفس لكل لاعب وللمجموعة ككل والإعتقاد بأنهم قادرون على تقديم وجه مشرف خاصة أن منتخبنا لا يملك تقاليد كبرى تاريخيا في المونديال بما أنه لم يمر سابقا للدور الثاني، ضاربا مثال مباراة كأس العالم 2006 التي لعبها العياري انذاك رفقة المنتخب وكان رفقة زملاءه متفوقين على اسبانيا بهدف لصفر إلى حدود الدقيقة 70 تقريبا لكن قلة التركيز والعامل الذهني جعلا منتخبنا ينهزم بثلاثية لهدف في تلك المباراة.وشدد أنيس العياري على أن الأجواء داخل المجموعة والتضامن والإلتفاف معًا، هي عناصر في غاية الأهمية لكي تكون العلاقات بين اللاعبين وكافة مكونات المنتخب يسودها التعاون والإحترام بالاضافة إلى أن الإطار الفني مطالب بحسن قراءة المنافسين مسبقا وأيضا تجهيز كل اللاعبين من الناحية البدنية ليكون حضورهم في المباريات بنسبة 100% ويكونون قادرين على افتكاك الكرة بصفة مستمرة ومقارعة لاعبين أقوياء من هذه الناحية.
كمــا أثنى اللاعب السابق للملعب التونسي على المردود الذي قدمه المنتخب الوطني والمستوى العالي الذي ظهر به خاصة في مبارتي الشيلي واليابان.وفي نفس المنحى يقول اللاعب الدولي السابق والمدرب فريد شوشان في حديثه للرياضية انه لا يجب تهويل نتائج المنتخب الوطني في المباريات الودية حتى لو كانت نتائج مميزة على غرار مواجهتي الشيلي واليابان الأخيرتين، بل يجب النظر إليها دائما على أنها مباريات لمعاينة اللاعبين ومنح فرصة اللعب لآخرين مؤكدا ضرورة التوازن الذهني لدى عناصر المنتخب وعدم الانخداع بهذه النتائج لكي لا يحصل عكسها في اللقاءات الرسمية كما حصل سابقا في كأس العالم 2018 وحتى كأس افريقيا الأخيرة بالكامرون التي ظهر فيها المنتخب بوجه شاحب بعد الانخداع بالوصول لنهائي كأس العرب التي تبقى دائما استحقاقا ودّيا تحضيريا.
وأوضح شوشان أن المنتخبين الشيلي والياباني لن يكونا بنفس المردود لو كانت المواجهتان رسميتان ولذلك من الضروري أن يعطي المنتخب لكل مباراة قيمتها دون تهويل ودون استسهال أيضا وخاصة دون تضخيم الانتصارات الودية وبناء طموحات لبلوغ الدور الثاني في كاس العالم المقبلة على فوز أو انتصارات ودية مهما كان اسم المنافس والنتيجة، فالرسميات مختلفة تماما عن الوديات، وفق تعبيره.
وحذر شوشان مرارا وتكرارا من تهويل الانتصارات في المباريات الودية مضيفا أن اللاعبين مطالبون بأن يكونوا جاهزين بدنيا وخاصة ذهنيا في كأس العالم خاصة الأساسيين منهم الذين تبدو هويتهم واضحة منذ الاشهر الماضية بنسبة كبيرة وهو ما يحتم عليهم ايجاد فرق مناسبة لهم هذا الصيف بالنسبة للذين غادروا أنديتهم بعد نهاية عقودهم أو بالنسبة لركائز المنتخب وكوادره الذين سيكون دورهم مفصلي لتجهيز أنفسهم وحتى زملاءهم من الناحية الذهنية والحديث هنا عن اللاعبين الذين شاركوا في مونديال 2018.
ويقول المدرب الوطني السابق يوسف الزواوي للرياضية ان العامل الأول المسبب لتراجع الآداء والنتائج خلال المباريات الرسمية مقارنة بالودية هو عامل الضغط النفسي الذي يسلط على اللاعبين وخاصة ان كان الأمر في مسابقة بحجم المونديال فيكون هاجس النتيجة وضغط الرغبة في تجاوز الدور الأول يسيطران على المجموعة، وهنا يكمن الإشكال الحقيقي، وفق تعبيره.
وأوضح الزواوي أن تفصيلا مهما يجب إعطاءه الأهمية الكافية وهو عنصر أرضية الميدان التي كلما كان أرضية ممتازة إلا وتألق المنتخب ووجد راحة أكبر في اللعب وهذا الأمر له تأثير على نفسية اللاعب فعندما يجد عشبا بمواصفات عالية يكون حافزا له لابراز امكاناته الفنية وتطبيق تفكيره على الميدان وقد ظهر ذلك بوضوح في كأس العرب الأخيرة وأيضا في دورة “كيرين” مشيرا إلى أن ردهات المباريات التي يكون فيها منتخبنا في موضع قوة يحسن استغلالها في الوديات ويخفق غالبا في الرسميات وذلك يعود بالأساس للعامل الذهني فيكون اللاعب مركزا أكثر ومتحررا من الضغوطات عندما يكون الرهان وديا.استغلال أخطاء المنافس وحسن اختيار الوديات ضروريكما يستدرك يوسف الزواوي حديثه بالتأكيد على أن الخلل الفني أيضا له دور هام في تباين الآداء والنتيجة بين الوديات والرسميات، متحججا بمثال المباراة الأخيرة أمام اليابان وأخطاء الجناح الأيمن لمنتخب الساموراي في ثلاث مناسبات وبأخطاء كارثية عرف نسور قرطاج كيفية استغلالها على أكمل وجه وسجلوا منها ثلاثة أهداف وهنا يكمن الدور الفني للمدرب والاطار المساعد له في كيفية استغلال أخطاء المنافس التي عادة ما تقل بنسبة كبيرة في المباريات الرسمية فحينها لا يقدر منتخبنا على استغلالها فنيا وتكتيكيا على أكمل وجه.ويختتم الزواوي حديثه بالتأكيد على أن الأمور الفنية على غاية من الأهمية في كأس العالم حيث أنها تكون عنصرا مؤثرا في نتيجة كل مباراة خاصة أن المستوى العالي للمنتخبات الأوروبية في المقام الأول يحتم على منتخبنا اللعب بتوازن والوقوف بشكل جيد في الملعب لكون قادرا على استغلال الفرص التي لن يكون عددها مثل ما يحصل في المباريات الودية ويقول المدرب الوطني السابق مراد محجوب في تصريحه للرياضية في هذا الموضوع ان العامل الفني هو الأساس في مثل هذه الاستحقاقات العالمية، فتجربة سنة 2018 كان الخلل فيها منذ المباريات الودية عندما لم يلعب منتخبنا لمنتخبات تعتمد على الرسم التكتيكي 3-5-2 كما هو الحال لبلجيكا وانقلترا وهذا يعتبر سوء اختيار للمنافسين في الوديات انذاك (اسبانيا، البرتغال، كرواتيا وتركيا) وهو ما جعل من الحصيلة تكون كارثية على مستوى الأهداف المقبولة ( 8 أهداف تلقتها شباك تونس في 3 مباريات) .
وأشاد محجوب بمجموعة اللاعبين الموجودة حاليا في المنتخب واصفا اياهم بـ”الخدّامة” أي انهم لاعبون مجتهدون ومميزون إلى حد ما وهو ما يجعلهم يلعبون بطريقة ذكية تتماشى مع امكانات منتخبنا وخاصة من الناحية الفنية والتكتيكية بما أن أغلب المدربين التونسيين متأثرون بالطريقة الايطالية القائمة على التمركز الدفاعي الجيد واستغلال المساحات التي يتركها المنافس بالهجمات السريعة والفعّالة في آن واحد .
وأشار مراد محجوب إلى أن المنتخب الوطني التونسي كلما حاول “الخروج من قشرته” واتباع خطة الضغط العالي ومهاجمة المنافس بشكل غير متّزن كلما تعرض لصعوبات كبرى وترك الفرصة للمنافسين لدك شباكه بالأهداف، متطرقا إلى مباراة اليابان الأخيرة التي اتخذها كمثال بالنسبة للتحول من الناحية الدفاعية إلى الهجومية بشكل سريع ومدروس بدقّة .ويقول الزميل الصحفي مكي العوني في تصريحه للرياضية ان نسخة كأس العالم الفارطة باتت من الماضي ولا يمكن مقارنتها بالنسخة المقبلة من المونديال لأن الوقت غير الوقت والظروف تختلف وليس نفس المدرب من سيضطلع بمهمة الاشراف على المنتخب في المحفل العالمي كما أن اللاعبين ليسوا جميعا قد خاضوا نسخة 2018 وهو ما يجعل من الحكم على مردود المنتخب في المونديال المقبل مبكرا جدا خاصة أن المباريات الودية التي تسبق الاستحقاق الدولي بفترة قصيرة هي التي ستحدد ملامح منتخبنا .
ويستدرك العوني حديثه بالتطرق إلى الخبرة التي اكتسبها المنتخب في المونديال بما أن نسخة 2018 كانت الأولى لتونس منذ نسخة 2006 أما نسخة 2022 فستكون المشاركة فيها بخبرات من النسخة السابقة لعدد كبير من الرصيد البشري وهو ما يجعلهم على دراية بأجواء المونديال وظروفه.ويشدد العوني على ضرورة الإعداد الجيد من الناحية الذهنية وخاصة الفنية التي ستكون عنوانا فاصلا في عدم تكرر أخطاء المونديال الفارط خاصة على مستوى التعامل مع المباريات وخلالها بشكل خاص.
وبعيدا عن كل الآراء السابقة فإن المنتخب الوطني التونسي سيكون مطالبا بالتركيز قبل وأثناء كأس العالم لكي يرى الجمهور التونسي وجها مشرفا يليق بالمشاركة السادسة في تاريخ المنتخب ويلبي مطالب الأغلبية باللعب حسب امكاناتنا دون الحط من قدرات لاعبينا وأيضا دون تهويل لنتائجنا في الاختبارات الودية مهما كان إسم المنافسين