الرياضية – مراد الربيعي
شهدت الأشهر الأخيرة انسحابات بالجملة لعدد من رؤساء الأندية التونسية ممن كانت عهدتهم الانتخابية متواصلة لمواسم قادمة لكنهم لم يكملوها وخيروا عدم المواصلة ليتم انتخاب رؤساء آخرين عوضهم ولا يتعلق الأمر فقط ببعض الفرق الصغرى بل طال ثلاثة من الأربعة الكبار في الكرة التونسية والحديث هنا عن النادي الإفريقي والنجم الساحلي ثم أخيرا النادي الصفاقسي قبل أيام.
وشهد شهر جانفي من العام 2021 أي قبل عام تقريبا انسحاب رئيس النادي الإفريقي عبد السلام اليونسي رغم أنه لا يزال أكثر من عام على نهاية فترته الانتخابية ورغم أن اليونسي حاول بعد ذلك التراجع وصرح بأنه لازال رئيس النادي إلا أن السيف كان قد سبق العذل حيث تم تنظيم انتخابات جديدة بعد شهر تم انتخاب يوسف العلمي فيها رئيسا جديدا للفريق.
وفي أكتوبر الماضي انسحب رضا شرف الدين من رئاسة النجم الساحلي الذي كان يرأسه منذ عام 2012 ولم يكن ينوي الانسحاب من منصبه لسنوات قادمة قبل أن يغير رأيه في النهاية ويخلفه ماهر القروي الذي تم انتخابه في نفس الشهر ثم كانت آخر حبات عنقود الانسحابات مع رئيس النادي الصفاقسي المنصف خماخم قبل أيام رغم بقاء عامين تقريبا على نهاية عهدته الانتخابية لتلجأ الهيئة العليا للدعم الى هيئة تسييرية يترأسها منصف السلامي في انتظار انتخاب رئيس جديد في الصيف القادم دون نسيان انسحاب جلال بن عيسى من رئاسة الملعب التونسي.
وكان العامل المشترك بين هذه الاستقالات هو أنها تمت تقريبا بالإكراه بسبب ضغط الجمهور من أجل إجبار هؤلاء الرؤساء على الانسحاب، فاليونسي عانى أشهرا عديدة من حملات جمهور النادي الإفريقي ضده والتي وصلت حد التهجم عليه في منزله وعلى سيارته واضطر للاختفاء وعدم الظهور إلا نادرا بينما تم التهجم على رضا شرف الدين في الجلسة العامة التقييمية وانسحب منها بعد وقت من بدايتها دون إكمالها وكانت تلك القطرة التي أفاضت الكأس أما المنصف خماخم فقد اعتصم من أجله جمهور النادي الصفاقسي في مركب النادي مغلقين كل الطرق ودافعين إياه للخيار المرّ وهو عدم إكمال عهدته.
وهنا فإن انسحاب ثلاثة رؤساء لأندية مصنّفة ضمن الأكبر في تونس وعدم إكمال عهدتهم الانتخابية يطرح تساؤلات حول جدوى وجود قوانين وانتخابات وهل أنها هي فعلا من تنظم الأمور في الأندية أم أن الجماهير هي التي باتت تسير الأندية وتتحكم في مصير المسؤولين.
قوانين على الورق فقط
يحتم المسار العادي في تسيير الأندية التونسية وجود قانون وانتخابات وعهدة انتخابية ولا يختلف نائب رئيس النادي الصفاقسي سابقا شكري شيخ روحه والذي قدم استقالته مع المنصف خماخم في حديثه مع الرياضية في وجود قانون واضح يفرض أن تعمل الهيئة المديرة في هدوء وتكون هناك جلسة تقييمية لمحاسبتها وحتى يعطي كل منخرط رأيه بكل وضوح أو هناك جلسة انتخابية يتم خلالها إما تجديد الثقة في الرئيس وهيئته أو انتخاب غيره لكن هذا القانون يبقى على الورق فقط وتطبيقه لا يتم في كثير من الأحيان رغم أنه يفترض أنه فوق الجميع.
ويتساءل النائب السابق لرئيس النادي الإفريقي صالح الثابتي عن سبب وجود انتخابات ومدة انتخابية إذا لم يتم احترامها للأسف حسب تعبيره لأن رئيس النادي وإن كان قد استمد شرعيته من انتخاب جمهور ناديه له وبالتالي من حق الجمهور سحب تلك الشرعية إلا أن هذا يجب أن يتم وفق القانون رغم أن ظاهرة انسحاب الرؤساء موجودة عالميا وحصلت مثلا في برشلونة الإسباني إلا أنها محدودة أما في تونس فقد تفاقمت وباتت منتشرة بشكل كبير وأصبحت رياضة وطنية.
الجمهور بات ”الفاتق الناطق”
وفي ظل وجود قوانين يتم تجاوزها بات هناك ما أسماه صالح الثابتي في حديثه للرياضية واقعا جديدا أصبح خلاله للجمهور دور كبير مع تنامي دور وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها في كل مناحي الحياة بما فيها كرة القدم والقرارات التي تتخذ صلب الأندية ومع الفايسبوك بات لجمهور كرة القدم وسيلة ضغط كبيرة تؤثر بها على أنديتها وعلى مصير الرؤساء والمسؤولين فالاستقالات كما حدث في النادي الإفريقي والنجم الساحلي والنادي الصفاقسي وهم يمثلون ثلاثة أرباع الكبار في الكرة التونسية وكذلك الملعب التونسي الذي لم يترشح رئيسه السابق جلال بن عيسى في انتخاباته بسبب الضغط الكبير الذي تعرض له.
ويقول النائب السابق لرئيس الترجي بادين التلمساني للرياضية إنه نبه منذ سنوات إلى أنه سيأتي يوم ويصبح إيجاد رئيس ناد مسألة صعبة بسبب الضغط الجماهيري الذي بات يسلط على الرؤساء ويتسبب في انسحابهم سريعا أو قبل نهاية عهدتهم أما من يتحمل تلك الضغوط فهو يدفع الثمن وهذا الضغط الذي يبدأ قبل انتخاب الرئيس أصلا يجعله يقدم وعودا خيالية في أغلب الأحيان لإسكات الجمهور لكنه يصطدم بواقع آخر وصعوبات مالية ومخلفات الهيئة السابقة ولا يحقق ما وعد به فيبدأ الضغط الجماهيري لإجباره على الانسحاب وهذا ما يحصل في أغلب الحالات.
ويعتبر التلمساني أن المشكلة في عقلية الجمهور الكروي الذي لا يقبل واقعا مفاده أن التتويج لا يكون إلا لفريق واحد بينما يريد الجميع رؤية فرقهم تتوج ويعتبرون غير ذلك فشلا وأن المشاكل المالية واقع يعاني منه كل الرؤساء ويجب ودعمهم بدل المناداة برحيلهم ووضع الضغوط عليهم من أجل الوصول لذلك.
ويشدد الكاتب العام السابق للملعب التونسي الأستاذ أنيس الباجي في حديثه للرياضية على أنه لا يمكن إنكار أن الجمهور بات له تأثير كبير خاصة مع امتلاكه سلاحا لم يكن موجودا من قبل حيث كان الجمهور من قبل يعبر عن رأيه إما في المباريات أو التدريبات أما اليوم فبات لديه الفايسبوك ليؤثر به.. ولأن المسؤول أو الرئيس هو مجرد متطوع ويدفع من ماله الخاص فيجد نفسه مهاجما من فئة من الجمهور تشتمه وتهتك عرضه يصبح الأمر “تطييح قدر” لا مناص له من أن يتأثر في النهاية لأن الجمهور لن يتركه يعمل مرتاحا فيخير ترك القانون جانبا والانسحاب لأنه من غير المعقول أن يضحي بوقته وماله ثم يجد نفسه يشتم ويهان من قبل كل من هب ودب.
واعتبر الباجي أن هذه الظاهرة خطيرة للغاية وسلبية ومضرة باستقرار الأندية لأن كل من لديه مشكلة مع رئيس ناد يعمد لشتمه وسبه بكل وقاحة وجرأة ويتم شتم العائلات سواء خلال المباريات أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي ولأن رئيس النادي في النهاية إنسان يخيّر أن ينسحب بدل تحمل كل تلك الوقاحة خاصة أنه لا يوجد من يحميه ولا من يوقف المشجعين عند حدهم.
ويقول شكري شيخ روحه إن هناك مشجعين عن حسن نية ينتقدون الرؤساء لبحثهم عن مصلحة أنديتهم والرغبة في الإصلاح مع إدراكهم لصعوبة الوضع الاقتصادي منذ سنوات وغياب المداخيل وتخلف قانون الجمعيات لكن هناك أيضا من لديهم سوء النية ويريدون رحيل الرؤساء لغاية في نفس يعقوب لذلك يعمدون لطرق خبيثة لدفع الرئيس للاستقالة. وشدد شيخ روحه على أن كل الرؤساء طالما تقدموا للمسؤولية وضحّوا بمالهم ووقتهم فهم أرادوا مصلحة أنديتهم ولا يجوز مكافأتهم بتلك الطريقة.
ضرورة في بعض الأحيان
ويملك رئيس فرع كرة القدم السابق للنادي الصفاقسي طارق سالم رأيا مختلفا بشكل نسبي ويقول للرياضية إن بعض الرؤساء من الواضح أنهم كانوا يسيرون بأنديتهم نحو الهاوية ويتجاهلون هذا الواقع وغير مستوعبين له وحتى إن كانوا دفعوا أموالا لأنديتهم لكنهم صرفوها في غير مكانها وكانت خياراتهم غير صحيحة وعندما يرى الأحباء كل هذا ويرون أنديتهم تسير في طرق خاطئة من حقهم التعبير عن رفضهم، وهذا لا يعني طبعا إجبار الرئيس على الانسحاب لكن التعبير عن رفضهم لخياراته بعيدا عن المرتزقة الذين لهم غايات أخرى ويريدون رحيل الرئيس الفلاني لدفع آخر مكانه.
ويقول سالم إن النادي الصفاقسي مثلا والذي يعتبر وضعه شبيها بما كان في النادي الإفريقي كان يعيش وضعا صعبا ويسير في طريق مخيف فيه خصم نقاط وربما قسم ثان مع لاعبين وعمال مركب مضربين ومشاكل بالجملة لذلك قام الجمهور بردة فعل طبيعية استجاب لها رئيس النادي حتى لو كان ذلك بشكل متأخر واعتبر رئيس فرع كرة القدم السابق أن الضغط والتعبير ضروريان في بعض الأحيان للإنقاذ ولو لم يفعل جمهور النادي الصفاقسي ذلك لما استقال خماخم ولبقيت الأزمة.