الرّياضية – وصال الكلاعي
لطالما زادت كرة القدم في العالم وفي بلادنا تونس بصفة خاصّة، في حدّة التّعصّب الرّياضي وتأجيج التّطرّف الجهوي بين جماهير الأندية الرّياضية.
ويَعِنّ ذلك في التّنافس الكبير الموجود بين ناديي الترجّي الرّياضي التّونسي والنّجم الرّياضي السّاحلي المنتميان إلى جهتين مختلفتين من تونس. فالتّنافس بين الترجّي الرّياضي التّونسي والنّادي الإفريقي لا يقلّ حجمًا عمّا ذكرناه سلفًا إلاّ أنّه لا يطرح إشكالاً جهويًّا بما أنّ الفريقان ينتميان إلى المكان نفسه.
فكلمًّا كان النّاديان من ولايتين مختلفتين تجد جماهيرهما يتراشقان الكلام والنّعوت باسم الجهة الّتي ينتمي إليها فريق الخصم حتّى يخرج الأمر عن الإطار الرّياضي.. بل قد تتشكّل عداوة بين أهالي جهتين بسبب الخلاف الرّياضي.
وحدّث ولا حرج إن فكّر أحد اللّاعبين المحترفين الإنتقال لتعزيز صفوف فريقًا منافسًا في جهة يعتبرونها منافسة لهم رياضيّا على الأقل. كما هو الحالي حاليًا مع لاعب الترجي الرياضي التونسي السابق للنجم الرياضي الساحلي، معتز الزدام، الّذي أصبح يمقته السواد الأعظم لأهالي جهة الساحل المطنبين في حبهم لفريقهم النجم الرياضي الساحلي.
وقد أعادت أحداث الكلاسيكو الأخير بين الترجّي الرّياضي التّونسي والنّجم الرّياضي السّاحلي طرح هذا الأمر في الواجهة. وقد آن الأوان لمعالجة هذه المعضلة إعلاميًّا حتّى لا تتفاقم أكثر وتصل حدّ تحوّلها إلى ظاهرة مجتمعية عظمى، من شأنها أن تزيد في حدّة الاِنقسام الجهوي بين المواطنين.
فقد تراشق الفريقان بالبلاغات بعد مواجهة الكلاسيكو الأخير بينهما. وهو ما يزيد في تأجيج الأوضاع بين الجماهير المتعصّبة لا محالة.
فبعد بلاغ وزارة الداخلية المعلن لإصابة أعوان أمن من قبل المباراة، تم نشر البلاغ التالي على الصفحة الرسمية للنجم للرياضي الساحلي على فيسبوك: “تعلم الهيئة المديرة لجمعية النجم الرياضي الساحلي جماهيرها العريضة خصوصاً و الرأي العام عموما بأنها و بعد توثيقها للبلاغ الصادر عن وزارة الداخلية عبر صفحتها الرسمية بتاريخ اليوم الأربعاء 26 أفريل 2023 و الذي تضمن إعلاما رسميا و واضحا بخصوص كل ما جد أثناء المقابلة التي جمعت فريقنا بمضيفه فريق الترجي الرياضي التونسي من أحداث عنف بسبب تعمد مجموعة من جماهير الفريق المستضيف رمي الحجارة على اعوان الأمن بالأرضية الخلفية للميدان وهو ما انجر عنه إصابة 25 عون و مسؤول استوجبت إيواء أحدهم المستشفى، بأنها تولت مراسلة الرابطة الوطنية لكرة القدم قصد لفت نظرها بخصوص ما جد من أحداث ومطالبتها بضرورة تطبيق النصوص القانونية واجبة التطبيق في مثل هذه الحالات احتراما لدولة القانون و المؤسسات و مثلما وقع ذلك بصفة مستمرة و آلية في مناسبات سابقة ووضعيات مماثلة.
هذا و تطمئن الهيئة المديرة جماهير النادي بأنها لن تتوانى في الدفاع عن مصالحه بشتى الوسائل القانونية المتاحة و اتباع جميع درجات التقاضي محليا و ودوليا ان استوجب الامر ذلك”.
ليجيب الترجي ببلاغ أطول على صفحته يذكر فيه بما إقترفه جماهير النجم الرياضي الساحلي في حق لاعبي الترجي الموسم الفارط من بطولة الرابطة المحترفة الأولى لكرة القدم بملعب سوسة الأولمبي أثناء مباراة الكلاسيكو.
لذلك يعد لتعامل الأندية ومسؤوليها مع الأومور خاصة على مواقع التواصل الإجتماعي تأثير كبيرًا على الجماهير وتأجيج شرارة العنف والتطرف الجهوي تجاه الآخر.
وفي هذا السياق، قال الصحفي الرياضي التونسي، محمد علي طالب، للرياضية: “في الحقيقة هي ظاهرة أصبحت مألوفة لدينا للأسف. فقد تعودنا مشاهدتها في كرتنا منذ سنوات. و الحلول تكاد تكون منعدمة للحد من تفشيها وتجاوزها. بل تكاد تصبح أمرًا عاديًا للبعض. فكل شخص يدافع على ألوان فريقه المفضل بشتَّى أنواع الطرق.. حتى إن وصل به تعصبه في حبه لفريفه، إلى إنتهاج طريقة غير أخلاقية. وقد تطال طريقته طرف أو جهة ما”.
في الواقع وعلى المواقع..
واصل محمد علي طالب حديثه معنا قائلاً: “وهذا التعصب في التشجيع قد يبلغ إنعكاسه عنفًا ماديًّا ومعنويًا يحمل في طياته نعرات جهوية. سواءً تجلّى ذلك على أرضية الميدان، في المدرّجات، أم ظهر في التعليقات أو المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي. ويكثر الكلام الخادش للحياء والشتائم، الّتي أصبحت خبزًا يوميًّا، في الواقع وعلى المواقع. فمن التوجّه بالكلام والشتائم لشخص ما، تتحول وجهة الكلام إلى شتم جهة كاملة بل جهات”.
وأضاف طالب: “نحن بصفتنا صحفيين رياضيين، نعاين هذا الأمر في أكثر من مناسبة. ويمكننا الجزم أنّه وكأنّها أصبحت عادةً متأصّلة لدى جماهيرنا التونسية تقريبا. فغالبًا ما يستقبل الجمهور المضيف ضيفه بوابل من الشتائم والعبارات الممزوجة بالعنصرية الجهوية أو ما يعرف بالجهويات.. وقد نراها في أحيان كثيرة في الأهازيج والدخلات، تيفو.
ويعود السّبب إلى التعصّب الكبير الّذي يتسم به المحب التونسي خاصة والعربي عامّة. ممّا يجعل المشجع ينسى أو يتناسى أنّ الّذي أمامه فردًا من جمهور مثله. الفرق الوحيد الموجود، هو التقسيم الجغرافي لكن في النهاية يجمعهم وطن واحد وراية كبرى واحدة”.
تحرك مباريات كرة القدم وتشجيع فريق ما نزعة الإنتماء لدى المحب التونسي. الإنتماءالأكبر والأشمل ألا وهو الإنتماء إلى الجهة التي ينتمي إليها هو وذلك النادي، الذي أصبح يشجعه بفعل هذا الإنتماء الأوّل الّذي غالبًا ما يكون الفرد فد اكتسبه بالولادة أو بالوراثة، معًا.
وأردف الصحفي ذاته في هذا الصدد: “أجواء المباريات الرياضية، في تونس، دومًا ما تؤجج وتفجر طاقة الهوية الجهوية لدى المناصرين.
وتنجح هذه الأجواء في التعبير عن حب الألوان والشعار، شعار الجمعية الرياضية، و يجد المحب نفسه في معركة من أجل هذا الحب. بل تنعدم عنده ملكة التفكير. ويصبح يتكلم ويفكّر بعاطفته لا بعقله”
الحل موجود لكنّه غير ناجع
أمّا عن البدائل والحلول فقد قال الطالبي: “الحلول موجودة لكن ليست كفيلة بحل هذ الإشكال. فالعقوبات الموجودة والمعهودة تتحملها الأندية. وتكون عادة حرمان الفرق من حضور جماهيرها المباريات. ورغم حدتها إلا أنها لم تغيّر شيئا في عقلية المحب التونسي”