الرّياضية – وصال الكلاعي
يعيش الكثير من الرّياضيين المعتزلين في تونس وفي العديد من بقاع العالم واقعًا هشًّا. إذ يعاني أغلبهم من نقص الموارد الماديّة لتوفير العيش الكريم لهم ولعائلاتهم بعد إعتزال اللّعبة الّتي كانوا يمارسونها. فالرّياضات الجماعية سيما لعبة كرة القدم ونظيراتها قد توفّر العيش الكريم لممارسيها في وقت نشاطهم. لكن بعد الإعتزال يبقى المستوى المادّي الّذي يعيش فيه الرّياضي رهين ما ادّخره أيّام نشاطه في اللّعبة. لذلك يقدم جلّ الرّياضيين إلى فتح المشاريع التّجارية لضمان مستقبلهم المادّي بعد الاعتزال. ناهيك عن الرّياضات الفرديّة في تونس فوضعية الرّياضيين فيها حدّث ولا حرج. إذ يعاني جلّهم من غياب الدّعم المّادي من سلط الإشراف وقت اِمتهانهم لتلك الرّياضة. فما بالك بحالهم بعد قرار الإعتزال.
كنّا قد تحدّثنا في عدد سابق عن الوضعية المادّية الّتي يعاني منها اللّاعب السّابق للنّجم الرّياضي السّاحلي، جيسفالدو سيلفا، فبعدما ما قدّمه على الرّقعة الخضراء. بات اليوم في أمس الحاجة إلى يد العون لتوفير قوته ومصاريف علاجه. بل أصبح اللّاعب يناشد السّلطات في تونس لإنقاذه. حال هذا اللّاعب الّذي احترف في تونس لا يختلف كثيرًا عن حال الكثير من اللّاعبين غيره ونذكر بالأخص اللّاعبين التّونسيين.
والحال لا يقتصر على لاعبي كرة القدم فقط. فكما أشرنا سلفًا ممارسي الرّياضات الفردية في تونس هم الأكثر تهميشًا من النّاحية الماديّة بالأساس. فتجد السّواد الأعظم من الرّياضيين لا يستندون على الرّياضة الّتي يمارسونها لتوفير قوت يومهم. يل يعملون في مهن أخرى لضمان العيش الكريم والإنفاق على مصاريف تلك الرّياضة. لا لشيء وإنّما حبًا فيها.
وأبرز مثال عمّن يعانون من التّهميش هو المقاتل، حمزة حمري، الّذي ما اِنفكّ يطالب بالدّعم المادي للمشاركة في التّظاهرات الرّياضية العالمية الكبرى. لكن لا حياة لمن تنادي. وتبقى نزالاته دون دعم أو تمويل إلى حين إبطالها. هذا حاله اليوم وهو يمارس اللّعبة. فما بالك بحاله غدًا بعد إعتزاله؟!
“الرّياضيون ضحية أزمة بلد”
توجّهنا بالسّؤال إلى الصّحفي التّونسي، علي الخلولي، مراسل قناة أبو ظبي الرياضية، عن رأيه في هذا الواقع الّذي يعيشه الرّياضيون في تونس. وقد قال الخلولي: “أعتقد أنّ ميدان كرة القدم في تونس مازال يعاني عديد النقائص والإشكالات على جميع الأصعدة. فإذا أردنا أن نتحدث عن أحد العناصر الرّئيسيّة والفاعلة الحقيقية على الميدان، والمقصود هنا طبعًا هو لاعب كرة القدم، فسنجد أنّ هذا العنصر هو أوّل وأكثر العناصر المتضرّرة من الأزمة الحالية الّتي تعيشها كرة القدم في بلادنا”.
وأردف الخلولي: “على مستوى العقود نلاحظ أنّه هناك فوارق كبيرة تظهر أوّلًا في اِختلاف حجم موارد النّوادي فليس بالضرورة أن يعيش كلّ لاعب كرة قدمٍ ظروفًا طيّبة وعيشًا رغيدًا تجعله يقدّم أفضل ما لديه على الميدان. فبالنّسبة للّاعبين الّذين ينشطون في الأندية الكبرى الأربعة لئن كانوا يمتلكون عقود محترمة من النّاحية المادية إلّا أنّهم يعانون من التأخير في خلاص مستحقّاتهم وصرف المنح. وهذا يمثّل عائقًا كبيرًا أمامهم يحول دون تحقيق طموحاتهم. ولكن يبقى حالهم أفضلَ بكثيرٍ من البقيّة الّذين يمتلكون عقود متوسّطة إن لم نقل ضعيفة وبآجال قصيرة المدى، لا تجعلهم بعيدين عن الوضعية الكارثية في صورة تأخير صرف المستحقّات والمنح. ولهذا السّبب نجد عددًا كبيرًا من هذه الفئة من اللّاعبين يعانون من مشاكل تتعلّق بالسّكن والتّنقل وتوفير أبسط ظروف العيش الكريم نظرًا لغياب الموارد المالية في النوادي الّتي ينشطون بها”.
كرة القدم هي اللّعبة الأكثر تحقيقًا للعائدات المالية على ممارسيها مقارنة ببقية الرّياضات. وتحدّث الصّحفي علي الخلولي عن هذه النّقطة، قال: ” كرة القدم للأمانة هي الرّياضة الأكثر دعمٍ في تونس من باقي الرّياضات الجماعية. فالرّياضات الأخرى عادة ما تكون شحيحة الموارد. فما بالك بالرّياضات الفردية الّتي تنعدم فيها الموارد أصلاً ويغيب فيها دعم الدولة أيضًا. باستثناء بعض رياضيي النّخبة. وهذا ما يجعل وضعية الرّياضيين في تونس عمومًا صعبةً. فنجدهم بفعل ذلك يفكّرون في اِستغلال الإنتماء إلى الأندية المحليّة الكبرى لتكون جسر عبور إلى الاِحتراف خارج حدود الوطن”.
“تحويل الأندية إلى شركات هو الحلّ”
وبحثًا عن الحلول والبدائل للحدّ من هذا المشكل في صفوف الرّياضيين المعتزلين قال علي الخلولي: “الحلول لا تأتي من تلقاء نفسها. بل هي نظرة اِستشرافية تكون مرتبطة بتغيير جذري للقوانين البالية في تونس. الحل الأول أرى أنّه أصبح ضرورةً قصوى أكثر من أي وقت مضى. ألا وهو خَوْصصة الأندية وتحويل جزء هامّ منها على الأقل إلى شركات ربحيّة توفّر دعم مالي للفرق وطرق تمويل هامّة وفعّالة للخزينة. الّتي من شأنها أن تساهم في منح الاِستقرار على مستوى التّسيير الإداري النّاجح والتّصرف في الرّصيد البشري لكل نادٍ.
والحل الثّاني هو الاِتفاق على معدّل أجورٍ من خلال ضبط الأدنى والأعلى بطريقة تتماشى مع إمكانات الأندية وتضمن المعقول بالنسبة للرّياضيين في تونس”.
فالأندية في تونس هي جمعيات غير ربحيّة. فلا يحقّ لهم الدّخول في أي نشاط تجاري. وعاين الجميع الحالة الّتي وصلت إليها أغلب الأندية التّونسية بعد جائحة كورونا بالأخص. فوقتها توقّف النّشاط. ثمّ تمّ نجريد الملاعب من الجماهير خوفًا من العدوى الفيروسيّة. وبالتّالي حُرمت الأندية من بيع تذاكر المباريات الّتي كانت تمثّل النّصيب الأكبر من المداخيل الماديّة للفريق. ومنها يتمّ سداد مستحقات اللّاعبين والمدرّبين والأطر الفنيّة. لذلك يرى الكثير أنّ تحويل الأندية إلى شركات ربحية هو حلّ ملحّ لتنويع المداخيل الماديّة للفرق. وبالتّالي تحسين ظروف اللّاعبين في أي فرع كانوا، كرة القدم أو الفروع الأخرى. وإن تحسّنت ظروفهم قد يضمنون مستقبلهم بعد الإعتزال.