أميمة الجبالي – الرّياضية
تعود مسألة خوض مباريات الرّابطة المحترفة الأولى لكرة خلال ساعات الصّيام مع حلول شهر رمضان المعظّم إلى الواجهة من جديد ، إذ كشفت الجامعة التّونسية لكرة القدم صباح يوم الجمعة 24 مارس 2023 عن برنامج مقابلات كأس تونس و جولات مرحلتي التّتويج و تفادي النّزول خلال شهر رمضان ، و التي ستدور فعاليّاتها بين الواحدة و الرّابعة ظهرا.
و رغم تذمّر العديد من اللّاعبين و المسؤولين على ضبط المقابلات خلال ساعات الصّيام إلا أنّ الأمر أصبح إعتياديا في السّنوات الأخيرة في كرة القدم التّونسية خاصة و أنّها ليست المناسبة الأولى و يرجع ذلك إلى تردّي البنية التحتيّة و غياب الأضواء الكاشفة بالملاعب ما يدفع الجامعة لإتّخاذ مثل هذا القرار.
فهل يشكّل الصّيام عائقا أمام خوض المباريات ؟ و هل يمكن أن يؤثّر على مردود اللاّعبين و نتائج الفرق؟
الدّوريات العالميّة ترفع الحرج عن اللّاعبين المسلمين
تخوض الدّوريات العربيّة عموما مواجهاتها خلال شهر رمضان ليلا فيما تلجأ بعض الدّوريات الأوروبيّة إلى ضبط جملة من الإستثناءات تهمّ اللاعبّين المسلمين وتجري تعديلات عديدة تلائم المحترفين حاظا على سلامتهم البدنيّة، و في هذا السّياق أقرّت لجنة الحكّام التّابعة للإتّحاد الإنقليزي الأسبوع الفارط إتّخاذ إجراءات خاصّة رأفة باللاعبين المسلمين النّاشطين في البريمييرليغ ، و قرّرت اللجنة تسهيل التّعامل مع المسلمين للإفطار خلال المباريات التي تدور وقت الإفطار مؤكدة أنه سيتم إيقاف اللّقاء لدقائق ليستطيع اللاعبون شرب السوائل و تناول المكمّلات الغذائيّة و سيستفيد بهذا القرار كلّ من محمد صلاح نجم الرّيدز والجزائري رياض محرز لاعب مانشستر سيتي وغيرهم من المسلمين المحترفين بالدوري الإنقليزي، أما في الدّوري الفرنسي فقد طلب الإتّحاد الفرنسي لكرة القدم من لاعبي المنتخب الفرنسي الصائمين تأجيل الصّيام لخمسة أيّام وذلك لإلتزامات الدّيوك الفرنسيّة بمواجهات تصفيات كأس أوروبا 2024 و كشفت من جانبها صحيفة “ليكيب” الفرنسيّة أنه لن يتم إجبار اللاعبين على الصّيام وسيتمّ إحترام قرارهم سواءً بالصّيام أو التّمسك بالشّعائر الدينيّة، مرورا إلى الدّوريات العربيّة أعلن من جانبه الإتّحاد الجزائري لكرة القدم خوض مواجهات البطولة الجزائرية ليلا رغم غياب الإنارة في عديد الملاعب الجزائريّة ما سيدفع بعض الفرق إلى خوض مواجهاتها خارج القواعد.
و شهدت الدّوريات المصريّة و الخليجيّة سابقا حوادث عديدة صادفت مشاركة المنتخبات في إستحقاقات هامّة خلال شهر رمضان ، ما دفع دور الإفتاء إلى إصدار فتوة تبيح إفطار اللّاعبين الصّائمين ما أثار جدلا واسعا في الشّارع المصري خاصّة بين الذين إعتبروا أن كرة القدم عمل يضمن رزق اللاعبين و يتطلب جهدا بدنيّا كبيرا و آخرون أكّدوا أن كرة القدم للتّرفيه لا تستوجب فتاوِ تبيح الإفطار.
البطولة الـتّونسية تغرّد خارج السّرب
أمام كلّ هذه الإستثناءات في الدّوريات العربيّة و العالميّة دارت يومي السّبت 25 مارس و الأحد 26 مارس العديد من المقابلات ضمن منافسات الرابطة المحترفة الثانية لكرة القدم و التي إنطلقت في الساعة الثانية بعد الزوال إلى جانب ثلاث مباريات ضمن منافسات الجولة الثّالثة من مرحلة تفادي النّزول “البلاي آوت” في السّاعة الواحدة و النّصف ظهرا ، فيما أعلنت الجامعة تعيين مقابلتي الكأس بين التّرجي الرّياضي التّونسي والنّادي البنزرتي و مواجهة التّرجي و الإتّحاد المنستيري في إطار الجولة الثالثة من البلاي أوف يومي 4 و 9 أفريل إنطلاقا من السّاعة الثّانية ظهرا.
و سيتواصل نسق البطولة بصفة عاديّة خلال أيّام شهر رمضان الكريم وفق رزنامة بقيّة الجولات ضمن الرّابطة المحترفة الأولى لكرة القدم.
و في هذا السّياق أكّد الصحفي و الإعلامي الرياضي بالموقع الإلكتروني تونس الرّقميّة و إذاعة ديوان أف أم محمد علي طالب في حديثه للرّياضيّة أن البطولة التونسية تقريبا هي البطولة الوحيدة التي تخوض مقابلاتها في شهر رمضان (قبل الإفطار) و أمام الوضعيّة المتردّية للملاعب (أغلبها عشب إصطناعي) فمن غير المعقول أن نتحدث سنة 2023 من جديد عن لعب مباريات خلال ساعات النّهار في شهر رمضان ، و تابع :”كل البلدان طورت في بنيتها التّحتية و أصبحت تتخذ إجراءات تناسب اللاعبين ، فالعديد منهم يفضّلون المحافظة على صيامهم و هو من حقهم إلا أن العديد من المدربين يفرضون على الّاعبين الإفطار خشية تأثير الصيام على مردودهم على أرضيّة الميدان ما يجبر اللاعبين إما على الإفطار أم مواجهة خطر الإستبعاد ، كما تتضاعف حالات الإرهاق البدني أثناء هذه الفترة ما يخلّف ارتفاع وتيرة الإصابات بين اللاعبين خاصة تلك العضلية .” و أضاف طالب في حديثه :”أعتقد أنه يجب على الجامعة التونسية لكرة القدم و السّلط المختصة مراجعة هذه القرارات و تعديل رزنامة شهر رمضان للحفاظ على صحة اللاعبين و ضمان حقوق مختلف الأندية، و منح الفرق التي بإمكان ملاعبها إحتضان المواجهات ليلا حقها في خوض المباريات بعد الإفطار ، و يحيلنا هذا المقترح إلى الحديث عن وضعية الملاعب التي تفتقد أغلبها إلى الإنارة لذا من الأجدر إما خوض المقابلات ليلا أو إيقاف نشاط البطولة خلال شهر رمضان حفاظا على حقوق الأندية ، فالدوريات العربية ، المغربية أو الجزائرية مثلا تحافظ دائما على تعديل أوقات التدريبات و المباريات في شهر رمضان حفاظا على سلامة اللّاعبين لذلك وجب على السّلط التّونسية إيجاد حلول بديلة.”
تأثير الصّيام .. تراجع المردود البدني أم إجهاد وهمي ؟
لم تكن الإختلافات و تباين الآراء حكرا على الجانب الدّيني فقط، إذ إختلفت العديد من الدّراسات الطّبية التي أجريت بدول عربيّة مختلفة بخصوص تأثير الصّيام على اللّاعبين و أثبتت العديد منها أن التأثير يختلف من لاعب إلى آخر وفق قدرته البدنيّة فيما أجمعت الكثير من التقارير الطبيّة أن الصّيام لا يشكّل خطورة بالغة على اللّاعبين لكنّه من المنطقي أن يسهم في تراجع الأداء (في المسافات المقطوعة مثلا بين اللاّعب الصّائم و غيره) نظرا لغياب السّوائل و المكملّات الغذائيّة بالجسم وإلى جانب تراجع المردود قد يكون اللاعبين أكثر عرضة للإصابات خاصّة على مستوى المفاصل نتيجة قلّة شرب المياه، و لايمكن تعميم المقارنة على اللاعبين وذلك لإختلاف المعطيات من دولة إلى أخرى (الطقس و الرّطوبة و غيرها من العوامل).
في المقابل رجّحت دراسة أجراها المستشفى الجراحي و المختص في طبّ العظام بقطر “ASPETAR” أن تراجع أداء اللّاعبين الصّائمين قد يكون ناجما عن إجهاد وهمي! و أكّدت الدّراسة أن الصّيام ينعكس ذهنيّا على اللّاعب و يمنحه إحساسا مطلقا بأن مردوده البدني سيتراجع خلال اللّقاء ما يجعله يحسّ بإرهاق مضاعف.