أميمة الجبالي – الرّياضيّة
تعيش بعض الأندية التونسيّة بعد الثّورة عامّة و في السّنوات الأخيرة خاصّة على وقع جملة من الإيقافات و الوضعيّات المعقّدة التي تُفاقم أزمات الفرق ، فطالما أشرف بعض السّياسيّون على تسيير فريق أو نادٍ ، و منهم من وظّف رئاسة فريق في أغراض سياسيّة ككسب شعبيّة و بناء قاعدة جماهيرية لخِدمته ، إلاّ أن التقلّبات السياسيّة الأخيرة حالت دون ذلك إذ تمّ إيقاف جملة من الرؤساء بتهم مختلفة و منهم من غادر البلاد منذ سنوات .. و لا ضحيّة في هذه الأزمة إلاّ الفرق التي تتخبّط في المشاكل الإداريّة و الماليّة.
فأي إنعكاسات يخلّفها إيقاف رؤساء النّوادي على الفرق؟ و ماهي الحلول لتجاوز هذه الأزمة؟
رؤساء سابقون متورّطون و غادروا البلاد إلى أجل غير مسمّى..
عاصر فريق باب جديد منذ نشأته عديد الرؤساء الذين قادوا الأحمر و الأبيض في حقبات مختلفة وتولّى رجل الأعمال سليم الرياحي في جوان 2012 قيادة النّادي الإفريقي، قبل تقديم استقالته في نوفمبر 2017 و جاء قرار الإستقالة بسبب الظروف “القاهرة والخاصة” وفق ما صرّح به وذلك عقب القضايا المرفوعة ضده على خلفية مخالفات مالية ، إذ يواجه سليم الرياحي حكما غيابيا يقدر ب11 سنة سجنا من أجل جريمة غسيل أموال ، و تم عقب صدور هذا الحكم في 2021 إصدار بطاقة جلب دوليّة بناء على حكم صادر عن القضاء اليوناني في وثيقة بـ115صفحة و إيقاف المُتّهم بالإمارات العربيّة المتحّدة تحديدا يوم 19 أفريل بمطار دبي الدولي ، و إتّصلنا برئيس هيئة الدّفاع عن سليم الرياحي المحامي الطيب بالصادق للإطلاع عن تطورات القضيّة و الإجراءات القانونية القادمة ليرفض التدّخل معنا رغم أنه كان حاضرا في المنابر الإعلامية في الأشهر القليلة الماضية معلّلا رفضه أنه ليس بالوقت المناسب للعودة و الحديث مجدّدا عن قضيّة سليم الرّياحي خاصة و أنّها قضيّة ذات طابع سياسي بالأساس في ظلّ الأوضاع السيّاسيّة الرّاهنة.
التّداخل السيّاسي و الرّياضي .. أي مصير للأندية؟
“سيظلّ أسر رئيسنا العميد محمد علي العروي وصمة عار في تاريخ وزارة الداخلية وفضيحة تلاحق القضاء التونسي العليل! وكما ذكرنا علامتنا ابن خلدون فإن فساد القضاء يفضي إلى نهاية الدول.” بهذه العبارات دعمت هيئة مستقبل الرّجيش رئيسها محمد علي العروي الموقوف منذ 18 جوان 2022 في قضايا مختلفة ، و لم يكن العروي وحده الذّي تمّ إيقافه في الفترة الأخيرة بل تمّ كذلك إيقاف رئيس مستقبل سليمان وليد جلاّد و غيره من رؤساء النوادي، و كان تاريخ 3 جانفي 2023 شاهدا على إيقاف رئيس أولمبيك سيدي بوزيد محمد الطيّب الحجلاوي ، و أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الإبتدائية بسيدي بوزيد بالإحتفاظ برئيس جمعية اولمبيك سيدي بوزيد إلى جانب إيقاف شخصين آخرين لتُهم مختلفة تعدّدت بين أفعال تتعلّق بشبهة تبييض الأموال والمشاركة في ذلك والمسك بنيّة الإستهلاك لمادة مخدرة في غير الأحوال المسموح بها قانونا إضافة إلى فتح محلّ للرهان الرياضي بدون رخصة وشبهة المسك والإتّجار في الآثار بدون رخصة وشبهة الإعتداء على الأخلاق الحميدة بتسجيلات سمعية بصرية كما تمّ حجز قطع يشتبه أنها “زطلة” وعدد من القطع النقدية الذي يشتبه أنها أثرية ومبلغ مالي هام بحوزة المتّهمين، و تعمل من جانب آخر فرقة الأبحاث والتفتيش بسيدي بوزيد منذ عمليّة الإيقاف على الكشف على بقية الأطراف المتورّطة وفق ما كشفته الجهات الأمنيّة المختصّة و بلغ عدد الإيقافات إلى 9 أشخاص إلى حدود هذه اللّحظة.
حوالي 8 أشهر مرّت على إيقاف رئيس مستقبل الرجيش محمد علي العروي والذي لا يزال موقوفا هو الآخر تحفظيا على ذّمة القضّية المتعّلقة بمؤّسسة “انستالينغو” المنشورة لدى قاضي التحقيق بالمحكمة الإبتدائية بسوسة 2 (للتّذكير فإن أنستالينغو هي شركة إتّصاليّة إتُّهمت بنشر الإشاعات و والتّخابر مع جهات أجنبيّة مختلفة) ، و إتّصلنا بالسيّدة سماح صيود محامية السيّد محمد علي العروي إلاّ أنّها رفضت مدّنا بمعطيات عن القضيّة أو الوضعيّة القانونيّة الحاليّة ، و تجاوزنا الجانب القانوني لنتصّل فيما بعد بالكاتب العام لمستقبل الرّجيش الهاشمي غمّار للحديث عن الوضعيّة الإداريّة الحاليّة للفريق و رفض هو الآخر قطعا الحديث معنا.
من جانب آخر حُرم مستقبل سليمان من خدمات رئيسه و النائب السّابق بالبرلمان وليد جلاّد منذ 15 فيفري 2023 عقب صدور إذن قضائي عن النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس بإيقافه، إذ تولّت أعوان الوحدة الوطنية الأولى للبحث في جرائم الارهاب والجرائم الماسّة بسلامة التراب الوطني ببوشوشة ايقاف وليد الجلاد ، ليتبيّن فيما بعد أن إيقاف جلاّد له علاقة بقضية تحقيقية منشورة ضدّه لدى قاضي التّحقيق بالقطب القضائي المالي.
ودوّن مبروك كرشيد، محامي النائب بالبرلمان المنحل، وليد جلاّد على صفحته على موقع التواصل الإجتماعي فايسبوك أن “كل الأسئلة التي وُجّهت له تمحورت حول اتصالاته السياسية بوزراء سابقين ونواب ورؤساء أحزاب وما يعتزم القيام به فى مشاريعه السياسية المستقبلية”.
أيّ حلول لوقف أزمات الفرق؟
صرّح سامي بوعزيز الصحفي بقسم الرياضة بمؤسسة التلفزة التونسية أن تواتر إيقاف رؤساء الأندية هو موضوع متشعّب و شائك خاصة مع رؤساء الأندية ذوي العلاقات السياسية ، إذ تشكل هذه الظاهرة العائق الأول أمام تسيير النادي خاصة على مستوى خلاص أجور اللاعبين و توفير مصاريف التنقلات ، فأي فريق يتم إيقاف رئيسه أو سجنه أو يخضع إلى تتبعات عدلية يتدرحج آليا على مستوى التنظيم و منه على مستوى الأداء و النتائج، فالرئيس هو المسؤول الأول على النادي و يضبط كل الأمور الإدارية و اللوجيستية.
من جانب آخر ينعكس إيقاف الرؤساء على اللاعبين معنويا خاصة و أن اللاعب في حال عدم خلاص مستحقاته فمن الطبيعي أن لا يقدم مردوده الأقصى على أرضية الميدان و هو ما يؤثر مباشرة على الجمعية و هو ما لاحظناه بالنسبة للمستقبل الرياضي بالرجيش الذي غادر الرابطة الأولى إلى القسم الثاني بعد تألقه المواسم الفارطة ، إلى جانب هلال الشابة و الذي نزل بدوره إلى الرابطة الثانية عقب المشاكل الأخيرة بين رئيس الفريق و رئيس الجامعة التونسية لكرة القدم، عموما فإن المشاكل الإدارية تنعكس بصفة مباشرة على نتائج الفريق. من جانب آخر حتى إن لم يكن رئيس النادي ذو تتبعات قضائية فإن ضغط الجماهير المتواصل قد يفضي إلى تخليه عن منصبه لتتولى هيئة تسييرية فيما بعد إدارة الجمعية و التي تسبب أحيانا مشاكل إدارية و مادية بعدم خلاص مستحقات اللاعبين لكنها تدير الفريق لتدارك الفراغ الذي يخلفّه شغور منصب الرئيس و على غرار تراجع المردود فإن بعض اللاعبين يلجؤون إلى الإنتقالات (بحثا عن المستحقات) ما يدخل الفريق في حسابات ضيّقة صُلب الأوضاع الحرجة التي يعيشها.
و تابع بوعزيز أن الحل الأمثل لتفادي هذه الإخلالات هو ضبط قانون جديد يتمثل في ضرورة غياب الإنتماء السياسي كشرط أساسي من شروط الترشح لرئاسة فريق مؤكدا أن التدخل السياسي في الشأن الرياضي يسبب المشاكل للفرق بنسبة كبيرة و لا يصبّ في مصلحة الجمعية ، و بهذا القانون المقترح يمكن أن نضمن التفرّغ التّام للرؤساء في التسيير الرياضي ، و بالتّالي من الضروري ضبط هذا المرسوم كقانون أساسي مثل الشروط المادية و يجب التثبت من السيرة الذاتية للأطراف المترشّحة وضمان خلوّها من الأعمال السياسية ليتمكن فيما بعد من تحمّل تسيير الفريق على عاتقه و الذي سيوفر آليّا ديمومة و استمرار الرّئيس المترشّح على رأس الفريق لضمان تماسك و استمرارية النادي.