الرّياضية – وصال الكلاعي
تراجعت البطولة التّونسية إلى المركز الثّامن على المستوى الإفريقي بعدما كانت في صدارة التّرتيب. فلئن أرهقها تردّي البنية التّحتية فإنّه لِتغلغل آفة التّلاعب بالنّتائج دور كبير في تعكّر مستوى بطولاتنا المحليّة لكرة القدم.
ولعلّ أكبر ما ينخر كرة القدم التّونسية هي غياب اللّعب النّظيف واِحترام الميثاق الرّياضي من طرف بعض الأطراف والجمعيات الرّياضية. وهو ما رصده المتابعون لهذا المجال من تونس وخارجها. فككلّ موسم يتم الكشف عن مباراة واحدة على الأقلّ، بل أكثر، متورّط طرفاها في شبهة تلاعب بالنّتائج. وتصدر نتيجتها قبل أن تُلعب.
كادت تكون فضيحة الموسم!
الأسبوع الماضي قبل الجولة الأخيرة من مرحلة المجموعتين من بطولة الرّابطة المحترفة الأولى لكرة القدم، تبادل روّاد مواقع التّواصل الاجتماعي تسريبًا لنتائج بعض مباريات الجولة الثّالث عشرة. وكانت الشّبهة الأكبر تحوم حول مباراة أولمبيك سيدي بوزيد والنّجم الرّياضي بالمتلوي. إذ قضت مديرة الهيئة الوطنية للألعاب الرّياضية الفرنسية، السيّدة إيزابيل فالك بياروتان، اِستنادًا إلى القانون المتعلّق بتنظيم قطاع الرّهان الرّياضي عبر الأنترنت، بتحجير المراهنة على مباراة أولمبيك سيدي بوزيد والنّجم الرّياضي بالمتلوي ضمن الجولة 13 من بطولة الرّابطة المحترفة الأولى.
وأكّد الصّحفي الفرنسي الشّهير، رومان مولينا، سحب هذه المباراة من 90% من مواقع الرّهان الرّياضي على الأنترنت. ويعود سبب اِتّخاذ هذه الخطوة من قبل الجهات الفرنسية أنّ نسبة الإقبال على المراهنة على تلك المباراة بالذّات كانت تفوق بقية المباريات بفارق كبير. بل تمّ تحديد عدد الأهداف الّتي سيسجّلها كلّ طرف. وأكّدت بعض الأطراف أنّ المعدّل التّهديفي لهذه المباراة سيصل إلى 2.5%.
تدخّل معنا الحكم التّونسي السّابق، عادل زهمول، للحديث في هذا الصّدد. قال: “هذه الأمور حصلت ومازالت في كرتنا المحلية. ونذكر جميعا مباراة النّجم الرّياضي الرادسي والمستقبل الرّياضي بالمحمدية الّتي اِنتهت بسباعية لمثلها. ومباراة الباراج يوم 14 أفريل 2022 بين الشّبيبة الرّياضية القيروانية والقوافل الرّياضية بقفصة.الّتي اِنتهت بأربعة أهداف لكلّ طرف”.
وأضاف زهمول: ” أمّا أمس فلم يستحِ أحد فحتى بعد بلاغ وقرار الهيئة الفرنسية، أتمّوا ما عزموا عليه. فقد كان التّراخي والاستهتار في المباراة مفضوح بشكل كبير. وإنّ أبرز ما جرى في المباراة هي تمريرة الحارس لمهاجم المنافس، ومنها سجّل هذا الأخير هدفًا. أ علينا يضحكون أم على أنفسهم؟! ثمّ إن تمّ ضبطهم – يقصد اللّاعبين – وكُشف ملعوبهم يكون عدم حصولهم على مستحقاتهم ذريعتهم الأولى. ”
وقال زهمول عن موقف الحكّام من هذه التّجاوزات: “القانون لا يسمح للحكّام بالتّدخل بين الطّرفين في حالة التّلاعب بالنتائج. لذلك هو لا يتحمّل مسؤولية ما يجري. إذ لا يمكن للحكم إلاّ أن يدوّن تقريرا بعد المباراة عندما يظهر التّلاعب للعلن بشكل مفضوح”.
وأكمل زهمول حديثه قائلاً: “أوجه الفساد تختلف في بطولتنا -للأسف الشّديد تلك هي كرتنا- ليس فقط على مستوى التّلاعب بالنتائج. ففي المباراة الّتي جمعت التّرجي الرّياضي التّونسي والأمل الرّياضي بحمام سوسة يوم الأربعاء الماضي 8 فيفري، طالب لاعب من الفريق الضّيف الحكم المصري، محمود ناجي، بتوجيه إنذار ضده. ولبى الحكم طلبه، بعد تدخّل الحكم الرّابع، إبراهيم نور الدّين. وفعلاً وجه له إنذار دون مبرر يُذكر. وكانت غاية اللّاعب أن يدخل مرحلة البلاي آوت برصيد نظيف من الإنذارات. يمكن الجزم أنّ بطولتنا اليوم هي بطولة المحاباة”.
فن المراوغة!
توجّهت الكثير من الآراء الصّحفية إلى القول أنّ الجهات المعنية تعمّدت من جعل هذه المباراة تحت دائرة الضّوء لصرف النّظر عن مباراة أخرى أقيمت في التّوقيت نفسه ضمن الجولة نفسها. فقد اِنتهت مباراة أولمبيك سيدي بوزيد ونجم الجنوب باِنتصار هذا الأخير على مضيفه بهدف في آخر لحظات اللّقاء (أربعة مقابل ثلاثة أهداف)، في حين أنّ كلّ تسريبات المراهنة عليها كانت تصبّ في اِنتهائه بالتّعادل الإيجابي بين الفريقين.
فقد قال المحامي المختصّ في القضايا الرّياضية، أنيس بن ميم: “يقول المنطق أنّ قرار الهيئة الفرنسية خاطئ لأنّ اِتجاه المراهنة كان نحو اِنتهاء المباراة بالتّعادل الإيجابي بين الفريقين. إلاّ أنّه اِنتهى بفوز النّجم الرّياضي بالمتلوي. وبما أن كلّ من راهنوا على تلك المباراة خسروا الرّهان ولم يغنم أحد. يعني أنه لا وجود للتّلاعب على مستوى نتيجة هذه المباراة بالذّات. فلم يتم توجيه المباراة إلى النّتيجة المسربة سلفًا. والتّلاعب بنتائج المباريات من أجل تحقيق الرّبح في مسابقات الرّهان الرّياضي لا يقاس بنسبة الإقبال على مباراة دون غيرها. بل من يضع نتيجة غير متوقّعة ويخالف الأغلبية هو من يغنم مليارات من مسابقات الرّهان الرياضي. أما إنْ كَثُر الإقبال على مباراة واحدة فإنه سيزيد عدد مقتسمي الأموال وبالتّالي ستنقص قيمة الجائزة المالية المقدّمة للفرد الواحد عن تلك المراهنة. فما بالك إن لم يفز أحد.. فلا أحد مستفيد”
محل شكوك… والجامعة والوزارة لا يحركون ساكنا
وقد أصبحت الجولة الأخيرة من مرحلة المجموعتين من بطولة الرّابطة المحترفة الأولى التّونسية محلّ شكوك بعد المستوى التّهديفي الّذي بلغته. إذ تمّ تسجيل سبعةً وعشرين هدفًا. وهو ما لم يتم تحقيقه في ثلاث عشرة جولة سابقة من منافسات البطولة. ولم تنتهي مباراة واحدة، يوم الأربعاء، إلاّ وعدد الأهداف المسجّلة فيها هدفين فأكثر.. في حين أنّ المعدّل التّهديفي في الجولات السّابقة كان ضعيف جدًّا. وقد يكون ذلك محض صدفة.
وفي مباراة الأولمبي الباجي ضدّ ضيفه النّادي الإفريقي تم إعلان ثلاث ضربات جزاء. وتمّت ترجمتهم إلى ثلاث أهداف، هدفين لاصحاب الأرض وهدف وحيد للضّيوف. وحسب ما قاله الخبير التّحكيمي، عادل زهمول للرّياضية، فإنّ ضربات الجزاء كانت جميعها صحيحة.
وجدير بالذّكر أنّ تلك المباراة اِنتهت بثلاثية لنادي باب جديد مقابل هدفين للّقالق الباجية.
وأكد المحامي أنيس بن ميم، أثناء تدخّله معنا، أنّه في حال وجود أي شبهة واضحة فالجامعة التّونسية لكرة القدم ستفتح تحقيقًا في الغرض دون تردّد وتحيل ما توصلت إليه إلى النّيابة العمومية. ثمّ النّيابة تحيل الملف إلى الفرقة الجزائية المختصة في هذا الشّأن، وهي الجهة الوحيدة المخوّل لها اِستجواب الأطراف المتّهمة. ومنه يتمّ التّحقيق في المكالمات الهاتفية أو المحادثات عبر وسائل التّواصل الاِجتماعي بين جميع الأطراف. لأنّ الجامعة هيكل لا يملك آليات التّحقيق القضائية”.
وأشار بن ميم إلى أنّ التّلاعب بنتائج المباريات يحصل في شتّى أنحاء العالم وليس في تونس فقط. بل هي عصابات متشعبة في العالم أجمع.