أميمة الجبالي – الرّياضيّة
طالما كان عالم الصحافة الرياضية حكرا على الذّكور ، و إرتبط الجنس اللطيف بالفن و الثقافة و المجال السياسي فعبر عقود مضت يختص الرّجال في تقديم البرامج الرياضية و الاشراف على الأعمال الميدانية و المكتبية المتعلقة بالرياضة في جميع إختصاصاتها، إلا أن السنوات الأخيرة كانت شاهدة على إقتحام المرأة هذا المجال في العالم العربي عامة و تونس خاصّة لتصبح العديد من الصحفيات رائدات في عالم الصحافة الرياضية رغم العراقيل و الصعوبات والتحديات التي سنكتشفها في المقال التالي.
فهل تتساوى حظوظ النساء والرجال في العمل في هذا المجال ؟ وأي عراقيل تواجهها الصحفية الرياضية؟
طريق المرأة ملبّد بالعثرات..
يقدم معهد الصحافة و علوم الإخبار تكوينا متساوٍ بين الجنسين في مجال الإعلام الرياضي ويشهد هذا الإختصاص إقبالا كبيرا في السنوات الاخيرة من صنف الإناث إلا أن واقع البيئة المهنية يختلف عن الأكاديميّة إذ كان العنصر النسائي شبه مغيّب على المشهد الإعلامي الرياضي لكن السنوات الأخيرة كانت شاهدة على بروز العنصر النسائي في هذا المجال خاصة في الصحافة العالمية ثم العربية .
وتحدّثت الصحفيّة الرّياضيّة نعيمة ساسي للريّاضيّة عن تجربتها في مجال الإعلام الرياضي و التي إنطلقت بتكوين أكاديمي داخل أسوار معهد الصحافة و علوم الإخبار أين إختارت تخصّص الإعلام الرياضي سنة 2004 لولعها بالرياضة عامّة و كرة القدم خاصّة ، لتنطلق أولى تجاربها المهنية عبر الصحافة المكتوبة قبل خوض غمار الإعلام السمعي البصري من بوّابة قناة حنّبعل -و التي كانت محطّة العديد من الصحفيين – عبر برنامج سويعة سبور رفقة منير مسلّم و منير حمدي و العديد من الإعلاميين ثم خوض تجربة برنامج “بالمكشوف” ، و تابعت ساسي أنها إنطلقت مباشرة بكرة القدم و تابعت خلال حديثها أن التكوين الاكاديمي لا يضفي العديد من المعارف مقارنة بالتجارب الميدانية بل تُكتسب الخبرة فعليّا عبر الأعمال الميدانية صُلب الحياة المهنية .
و أضافت ساسي أن بروز العنصر النسائي في مجال الصحافة الرياضية كان عبر رجاء السعيداني و وسهام العيادي وغيرهم في مؤسسة التلفزة التونسية و الإذاعات الوطنية أما أول تجربة عمل في قسم الرياضة بمؤسسة خاصة كانت من نصيبها عبر قناة حنبعل و تابعت أن فكرة “التّقبل” لم تكن سهلة خاصة من خلال إنطلاقها في العمل مع جمعيات من مناطق مختلفة في الجمهوريّة (قفصة ، جندوبة..) و غيرها من الفرق. و أكدت ساسي خلال حديثها أنها تمكنت من فرض نفسها في المجال عبر كفائتها و قيمة عملها.
أما في حديثها عن الصعوبات الخارجية كالتعرض للعنف المعنوي و المادي داخل الملاعب أو خلال تغطية الأحداث الرياضية لا يستهدف عادة الصحفي بصفة خاصة بل إن الشتم و الثّلب يشمل جميع الأطراف ، و اضافت ساسي أنها أول صحفية تقوم بتغطية دربي قابس بين الملعب القابسي و مستقبل قابس والذي لم تتناولها وسائل الإعلام في تلك الفترة وتفاجئت بكميّة التّوتر و الضّغط في تلك المباراة وقالت ساسي أنها لم تتعرض لأي شكل من أشكال العنف المادي خلال خبرة 17 سنة في مجال الإعلام الرياضي.
أما بخصوص الإندماج مع الزملاء فلم تكن بالهيّنة إذ يشارك الصحفيين عقليّة الجماهير و يؤمن الكثير منهم انه من الصّعب أن تكون المراة ملمّة بمجال الرياضة و خاصة كرة القدم وقالت أنه رغم الشعارات التي يرددها المجتمع التونسي فإنها لا تخفي ذكوريته المطلقة و أنه لا فرق بين المثقفين و المواطنين في طريقة التفكير و هو ما يمكن إدراكه عبر التجارب المهنية.
و أردفت أن تغطية الاحداث الرياضية الكبرى كان حكرا على الرجال و لم يكن من السهل أن تغطي صحفية مباراة دربي أو حدث رياضي مهم لكن عبر الممارسة و فرض الذّات يقتنع زملاء العمل و المشرفين بكفاءة العمل الصحفي و قدرة الصحفيات التي قد تفوق احيانا كفاءة الصحفيين وقالت ساسي انه طالما إلتقت بالعديد من الأطراف التي ساندتها خلال مسيرتها المهنية مما يسهم في تواصل شغف المهنة و حبّها بعد كل هذه السنوات رغم الإبتعاد قليلا عن التجارب الميدانية. و تابعت ساسي خلال حديثها عن تجاربها المهنية خارج الأراضي التونسية أنها خاضت العديد من التحديات عبر تغطية كأس أمم إفريقيا في مصر نسخة 2006 و كأس العالم في ألمانيا 2006 وغيرها من الأحداث الكبرى إلى جانب محاورة العديد من نجوم عالم المستديرة الساحرة مثل زين الدين زيدان و غيرهم، و تابعت أن التجارب الإفريقية كانت بمثابة الإكتشاف بما تحمله من صعوبات و “خوف” خاصة بالنسبة للصحفيات.
و قالت نعيمة ساسي أن العديد من الصحفيات تخليّن عن العمل الصحفي في المجال الرياضي بسبب الصعوبات و التحديات وإلتزامهن بالمسؤوليات الإجتماعيّة.
“مجتمع ذكوري” يتصّنع الإنفتاح !
إجتماعيا فيعتقد الكثيرون أن مجال الصحافة الرياضية لا يناسب المرأة و لايعتبرها قادرة على مقاومة ضغوطات الملاعب و المخاطر التي قد تنجر عن تغطية المباريات أو الأحداث الرياضية في حال اندلاع أعمال عنف و شغب في الملاعب بين الجماهير و الأمنيين ويرى بذلك المرأة أجدر بالأعمال المكتبية أو الظهور التلفزي داخل الأستديو فقط و عكس بدوره واقع المؤسسات الإعلامية نظرة المجتمع إذ كانت المراة تغيب بشكل تام في هذا المجال و رغم تغير المشهد الإعلامي اليوم لازلت المرأة شبه مغيبة ميدانيا ، و في هذا السّياق تحدّث أستاذ علم الإجتماع سامي نصر للريّاضية لتفسير هذه الظاهرة إجتماعيّا إذ قال نصر أن ما يلفت الإنتباه اليوم أنه بالعودة إلى المنطق و الشعارات المرفوعة التي تخص مسألة المساواة بين حقوق المرأة و الرجل و ضمان حقوق المرأة و قدرتها و كفائتها فإنها تعتبر من البنود التي تم الإتفاق عليها صُلب المجتمع فقط إلا أنه من بين التناقضات الإجتماعية نجد أن المراة تُمنع من ممارسة العديد من المهن و التي لا يمكن للمرأة أن تكون مؤهلة لممارستها ، و إستشهد نصر بالمجال الكوميدي مؤكدا أنه لم نلمح ظهورا كبير للمرأة في تاريخ الكوميديا في تونس و فسّر ذلك أنه في اللاشعور التونسي فإن المرأة “نكديّة” مما يجعل المرأة لا تُضحك الرجل او المجتمع عموما ، أما في حديثه عن مجال الصحافة الرياضية قال نصر أن المجتمع غير قادر على تقبل المرأة في هذا المجال مُعتبرا أن المجتمع التونسي يعتقد لاشعوريا أن المرأة تجهل التعليق و الرياضة و تلك التفاصيل لأنها لا تذهب إلى الملاعب و لا تتابع كرة القدم بقدر الرجال و بالتالي يعود هذا التفكير إلى أحكام مسبقة مترسخة في المخيال التونسي وهي التي جعلت المجتمع لا يتقبل بروز المرأة في هذا المجال .
أما منطقيا تابع نصر أنه لا شيء يمنع أو يبرر عدم تقبل المجتمع للمرأة في مجالات معيّنة ، و أضاف أنه لكل مجتمع خصوصيات مخفية لا تبرز بسهولة و قال أنه للمجتمع التونسي صورة معينة يريد الظهور على حسابها أمام المجتمعات الأخرى و صورة أخرى تعكس حقيقته وأكد أننا نوظّف كل الأساليب الدفاعية لنشر الصورة التي نريد البروز على حسابها و نستعمل كذلك مختلف إمكانياتنا الدفاعية لإخفاء ما نريد إخفائه .
و تابع نصر أن المجتمع التونسي يسعى دوما لتصدير صورة المجتمع المتفتح و الذي لا يميز بين الرجل و المرأة مقابل إخفاء حقيقة “المجتمع الذكوري” و إستشهد خلال حديثه بالإنتخابات الأخيرة و توظيف المرأة في التحركات الميدانية أو مساندات حزبية أو حملات إنتخابية أما على المستوى القرار فيتم تغييب المرأة ، و يعد عالم الصحافة الرياضية عامة و كرة القدم خاصة عيّنة من جملة حزمة من العيّنات الأخرى التي تعكس خلفيّات المجتمع التونسي.