الرياضية – أميمة الجبالي
لئن شهدت الرياضة النسائية في تونس إشعاعا وتألقا في السّنوات الأخيرة خاصة، إلا أنها لا تحظى بقدر كافٍ من الدعم و الإهتمام الإعلامي فرغم ما حققته البطلات التونسيات من تتويجات في رياضات مختلفة كحبيبة الغريبي أو كما تعرف “بالغزالة” و أيقونة عالم الكرة الصفراء أنس جابر و غيرهن من التونسيات اللاتي تألقن محليّا و عربيّا و بلغن العالميّة فإن هذه الإنجازات لا يمكنها إخفاء واقع الرياضات النسائية المهمّشة في تونس سواء من السلطات المعنيّة أو الوسائل الإعلامية.
فما واقع الرياضة النسائية في تونس اليوم ؟ و أي سبل لدعمها؟
رياضات تندثر .. و جمعيّات تحتضر:
تعيش الرياضات النسائية في تونس أوضاعا صعبة خاصة بعد الثورة فمنذ 2011 إندثرت العديد من الجمعيات الرياضية في مجالات مختلفة (الكرة الطائرة، كرة السلة..) بسبب الضعف المادي و غياب الدعم مع إنعدام أبسط المرافق لممارسة التدريبات و ضمان التنقلات لخوض المواجهات ، فإن كانت الجمعيات الرجالية تعيش احيانا أزمات ماديّة من ديون و صعوبات تقتضي إنسحابهم من منافسات مختلفة فكيف هو الحال بالنسبة للفرق النسائية التي طالما اعتمدت على تمويلها الخاص ولا تحظى بالحد الادنى من دعم السلطات المادي او المعنوي مما سرّع في وتيرة الإضمحلال في الفترة الأخيرة بعد أن كانت تونس رائدة بنجماتها في هذا المجال.
و تعيق البنية التحتية الرياضية الرثة و التي شغلت الشارع الرياضي في الآونة الأخيرة بعد الحالة الكارثية التي أصبحت تهدد ملاعبنا و التي تؤثر على البطولة الوطنية لكرة القدم و فاقمت في هجرة اللاعبين نحو الدوريات العربية و الأوروبية ،فإن الرياضات النسائية هي الأخرى تعيش هذه الأزمة منذ سنوات فلم تشكو من سوء المرافق الرياضية بل تعاني من فقدانها اصلا.. مما يفقد الكثير من الرياضيات شغفهن تجاه الرياضة فقد أفادت إحصاءات السنوات الأخيرة تراجع عدد النساء اللاتي يمارسن الرياضة في تونس من 31 ألفا سنة 2012 إلى 25 ألفا في بداية 2015 فقط ، دون توفر إحصاءات السنوات الاخيرة و التي من المرجح أن تكون كارثية. ومع كل هذه العوائق فإن الرياضات النسائية بجمعياتها و مرافقها تعيش خللا في توازنها بين الجهات إذ تتركز الفرق النسائية و النوادي الخاصة من أكاديميات و غيرها بالعاصمة و المدن الساحلية (المنستير ، صفاقس..) فيما تنعدم بالجهات الداخلية و الجنوبية (قبلي ، سيدي بوزيد، القصرين..) ويعود ذلك بالأساس إلى الأوضاع المادية الصعبة و غياب المرافق الأساسية.
وفي هذا السياق أكدت الصحفية الرياضية عائدة عرب للرياضية أن واقع الرياضات النسائية يشهد تدهورا مستمر منذ عقدين أو أكثر وإنطلقت أساسا من حلّ الجمعيات النسائية عقب إنكباب السلطات على دعم كرة القدم و الجمعيات الرجالية ممّا تسبب في إنقطاع الدعم المادي للجمعيات النسائية إذ أصبحت كل الجهود مسخرة لكرة القدم.
و لم تعد الديون و المشاكل المادية اليوم حكرا على الرياضات النسائية إذ أصاب العجز جميع الهياكل و الفئات الرياضية بمختلف أصنافها و إستشهدت عرب خلال حديثها بالعجز المادي الذي كشفت عنه إدارة الترجي الرياضي التونسي في جلستها الأخيرة.
وأضافت أن أزمة حلّ الجمعيات النسائية الكبرى إنطلقت اساسا من العجز المالي ،كما عمّق من جانبه غياب المستشهرين أزمة هذه الفرق التي أصبحت تعتمد فقط على البلديات و منح وإعانات صغرى من وزارة الشباب و الرياضة لكنها غير كافية لضمان إستمرارية جمعية بجميع أصنافها خاصة و أن القوانين تفرض وجود صنف الشبان لإنشاء فريق أكابر مما يضاعف المصاريف.
وأكدت عائدة عرب أنه مع الأوضاع الإقتصادية و الإجتماعية الصعبة التي تعيشها البلاد التونسية فإنه من المنطقي أن تتفاقم الصعوبات المادية في جميع القطاعات و الفروع و خاصة الرياضات النسائية والذي يؤدي إلى حلّها نتيجة عدم تحمل تكاليف كل من التنقلات و التدريبات وخاصة مع تردي البنية التحتية الرياضية التي تحرم العديد من الفرق من ممارسة تمارينها أمام غياب القاعات و الميادين ، و هو ما يجعل الحلول البديلة مثل كراء القاعات و توفير الأزياء الرياضية أكثر تكلفة.
وتابعت عرب أن الجمعيات النسائية التونسية لم تعد تحقق نتائج اليوم على المستوى العربي و الإفريقي لغياب كل مقومات النجاح.
من جانبها أكدت نهلة بوذينة المكلفة السابقة بالرياضات النسائية للرياضية أن تردي الوضع الإقتصادي بالبلاد التونسية هو السبب الرئيسي وراء الواقع الصعب الذي تعيشه الرياضات النسائية ، وتابعت أن غياب المستشهرين و بقية العوامل تساهم في تفاقم المصاعب و حلّ الجمعيات وليس بسبب سياسة الدولة فقط ، لذلك تؤدي كل هذه الأوضاع الى تراجع وضع الفرق و تردي الأداء لغياب التكوين وهو ما يؤثر عن النتائج و بإستثناء بعض الرياضيات اللاتي تحققن تتويجات عالمية فإن واقع الرياضات النسائية كارثي خاصة و أن الأوضاع تتحول من السيء إلى الأسوء في ظل غياب خطط لدعم الرياضيات و الجمعيات.
وأكدت بوذينة أن الوزارة كانت تضبط برنامج سنوي و خصصت مندوبية رياضة نسائية في كامل ولايات الجمهوية ولازالت تمارس نشاطها ، إذ اهتمت بتنظيم حملات تحسيسية مختلفة لدعم الرياضات النسائية في أوساط مختلفة (مدارس، أماكن عمل، سجون، مراكز رعاية المسنين..) و كانت المندوبيات الوسيط الوحيد بين الرياضيات و الوزارة ، إلا أن نسق عمل هذه المندوبيات تراجع بصفة كبيرة في الفترة الأخيرة ، وتابعت أن ذلك ينعكس آليا على الإنجازات و يحدّ بالأساس من عدد الرياضيات و العناصر النسائية الناشطة صلب جمعيات رياضية.
أما بالنسبة للجامعات الرياضية فقد أضافت بوذينة أنها تشكو بدورها من صعوبات عديدة ، و تراجعت قيمة الدعم المادي من وزارة الشباب والرياضة بنسبة 60%.
و قالت بوذينة -أنه بعد حملات تحسيسية عديدة قامت بها في منصبها السابق- إن الإقبال على الأنشطة الرياضية من العنصر النسائي مكثف في حال توفير كل المقومات من مبادرات و قاعات مما يحتم على الدولة ضرورة وضع إستراتيجيات للنهوض بالرياضات النسائية.
حلول صعبة لإنقاذ ما تبقّى..
لئن كادت الحلول تنعدم لإنقاذ الرياضات النسائية في تونس في ظل الأوضاع الإقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد فإنها ضرورة ملحّة للنهوض بهذا القطاع ، إذ قالت عائدة عرب أن هذه الرياضات يجب أن تحظى بنفس الحظوظ مع الرياضات الأخرى وتعيين مسيّر أو مكلّف ودعت عرب إلى تعيين أصحاب الكفاءة القادرين على ضمان إستراتيجيات واضحة لتدعيم هذا المجال و ليس من الضروري تعيين عنصر نسائي للإشراف على هذه الرياضات.
أما في حديثها عن الحلول الممكنة تابعت عائدة عرب أنه على الجمعيات توفير موارد ذاتية و خاصة بجمعياتهم والتي تكون أولا عبر المستشهرين الذين يؤمنون بتلك الرياضة ثم البحث عن موارد ذاتية و التي يمكن أن تتجسد في إحداث أكاديميات خاصة كحلّ من الحلول وبالتالي ضمان مدخول معيّن لتوفير مصاريف الاصناف الأخرى و أكدت انه ليس بالحل الكافي لضمان إستمرارية جمعية نسائية بأصنافها ، و قالت أن أكاديميات كرة القدم قادرة على توفير مداخيل كبرى لفرقها على غرار الرياضات الأخرى. وأضافت أن أصناف الشبان و الأطفال يبحثون اليوم عن التدرب ضمن جمعية ذات هيكل مستقل مما يضاعف الإقبال على الأكاديميات ويدفع الأولياء لتسجيل أبنائهم داخل الأكاديميات.
وقالت عرب أن الحلّ الآخر الممكن هو تقسيم أصناف الجمعيات ، مثلا تخصيص جمعية للأصاغر و الأواسط لتكوين الشبان و جمعيات للأكابر تكون مستقلة لأنه عموما تكوين الشبان لا يتطلب موارد مالية ضخمة كمستحقات الأكابر من تنقلات و مسابقات و غيرها من المصاريف.
ودعت عرب إلى التفكير في التركيز على تكوين الشبان قبل البحث عن النتائج و يمكن عقب ذلك بيع الشبان لفرق كبرى و هو ما يوفر مداخيل مستمرة عبر الإستثمار في اللاعبين ، عموما فإن تقسيم المهام من شأنه أن يضمن حلولا ماديّة و إستمرارية الفرق لتختتم بذلك عرب تصريحها بالتأكيد على ضرورة إتخاذ القرارات التي تحدد إستراتيجيات عميقة على المدى القريب و البعيد و العمل عليها من أصحاب الكفاءة للإبتعاد عن خدمة المصالح الشخصية.