الرّياضية – أميمة الجبالي
لئن شهد مستوى بعض الفرق الكبرى تراجعا على الصعيد الإفريقي في السنوات الأخيرة إلا أن فشل النادي الإفريقي والنادي الصفاقسي في بلوغ دور المجموعات لكأس الكونفدرالية أعاد هذه المُعضلة إلى الواجهة ، إذ إنهزم فريق باب جديد يوم الإربعاء بهدف نظيف أمام ضيفه يونغ أفريكانز التنزاني ليغادر زملاء الذوادي المسابقة بعد أن حسم التعادل السلبي مواجهة الذهاب بدار السلام بتنزانيا ، من جانبهم غادر أبناء دلهوم كأس الكاف إثر نهاية مباراتهم ضد فريق كارا الطوغولي بالتعادل السلبي في ملعب الطيب المهيري ليتأهل الضيوف على حساب فريق عاصمة الجنوب وذلك لانتصارهم في مباراة الذهاب بالطوغو بهدفين مقابل هدف.
فماهي أسباب تراجع مردود الفرق في المسابقات الإفريقية , و أي سبل لاستعادة الإشعاع القارّي ؟
مشاكل إدرايّة وفنيّة تنهَش الفِرق التّونسيّة
تُحقق الأندية التونسية منذ سنوات نجاحات قارية و إقليمية وحتى عالمية عديدة إذ كانت تعدّ فرقنا الكبرى من أشرس المنافسين على الألقاب القارّية. ومن أبرز إنجازاتها ,أربع دوري أبطال إفريقيا من نصيب التّرجي الرياضي التونسي ولقب لكل من النّادي الافريقي و النجم الساحلي , كما أحرز النّادي الصفاقسي ثلاثة ألقاب كأس الكونفدرالية وغيرها من الألقاب الإفريقية, لكن في السنوات الأخيرة أصبحت بعض الفرق عاجزة عن الظّهور بأداء مشرّف في المواجهات الإفريقية ويعود تراجع الأداء لأسباب مُختلفة , وفي هذا السيّاق قال المحلل الفني زياد المستيري في تصريحه للريّاضية إن تدهور مردود الفرق التونسية في المسابقات الإفريقية يعود لأسباب متراكمة في الماضي القريب على غرار المشاكل المادية والإدارية للفرق خاصة بعد فترة الكورونا التي تسببت في توقف مداخيل الفرق ، إلى جانب هشاشة البنية التحتية ففي السّنة الفارطة احتضن ملعب حمادي العقربي برادس جميع مواجهات الفرق الكبرى عقب أشغال شملت ملعب الطيب المهيري والملعب الأولمبي بسوسة وأكد أن تردّي البنية التحتية يؤثر سلبا على تكوين الشّبان إذ يتشارك أكثر من صنف (أصاغر، أواسط..) أرضية الميدان مما يخفض نسق التدريبات وينعكس على أداء اللاعبين خلال المباريات الرسمية إذ يسبب سوء تقدير المساحات ومنه تراجع مردود المجموعة . و أضاف المستيري أن هجرة اللاعبين الشبان نحو الدوريات الأوروبية أصبح ظاهرة منتشرة بكثرة في السنوات الأخيرة ، و تسببت في تراجع مستوى البطولة الوطنية بعد أن كانت من أقوى الدوريات العربية في 2016 و 2017.
وفي نفس السيّاق توجّهنا للشّارع الرّياضي بحثا عن آراء المواطنين في النّتائج الإفريقية الهزيلة التي انقاد لها النادي الافريقي و النادي الصفاقسي مؤخرا, وصرّح أشرف الطبوبي أحد الجماهير الرياضية في حديثه أنّ النادي الصفاقسي فريق في طور التكوين و يعاني من عقوبة منع الإنتداب لأكثر من سنة التي سلطها الإتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” , كما يشكو فريق عاصمة الجنوب من نقص اللاعبين على مستوى الأظهرة وخط وسط الميدان ويفتقر الرصيد البشري لمهاجم صريح .أما إداريّا فتقوم إدارة “السي آس آس” ببيع اللّاعبين سنويا دون تعويضهم بلاعبين بنفس الجودة كما يفتقر كريم دلهوم مدرب الفريق للخبرة اللازمة على المستوى القارّي , أما في حديثه عن النّادي الإفريقي قال الطبوبي أن الإطار الفني للفريق ضعيف تكتيكيّا مؤكدا أن الهدف الذي سجله الضيف التنزاني في شباك معز حسن يعكس الضعف التكتيكي للفريق وأضاف أن اللاعبين الذين على ذمة الإطار الفّني لا يمكنهم الذهاب بعيدا في البطولة التونسية قبل الحديث عن المشاركات الإفريقية إلى جانب فقدانهم للرغبة في اللّعب وتقديم مردود جيد , كذلك ينعكس عدم الإستقرار على مستوى التشكيلة سلبا على المجموعة ونسقها .
ورغم تواتر المدربين و الاطار الفني إلا أنهم يعتمدون نفس الخطة وهي (4-3-3) والتي لا تجدي نفعا مع الرصيد البشري المتوفر داخل أسوار الحديقة “أ”.
وقال الطبوبي أن إدارة الفريق صرّحت منذ فترة الإنتقالات الصيفية أنها غير قادرة على الإنتداب وذلك لإفلاس خزينة النّادي وتراكم الدّيون مضيفا أن أي فريق من واجبه الإستعداد مادّيا للاستحقاقات الإفريقية عبر إعتماد إطار فني يترأسه مدرّب قادر على تسيير الفريق تكتيكيا لإيجاد التّشكيلة المناسبة وتدعيم الفريق بلاعبين ذوي خبرة على المستوى القاري إضافة إلى ضرورة تجنب الإنتدابات العشوائية للذهاب بعيدا في المسابقة والتتويج باللقب ويمكن لأي فريق يزخر بإمكانيات مادية تدارك الخلل عبر انتدابات في فترة الإنتقالات لتصحيح مسار الفريق دون الخروج من المسابقة.
أما في حديثه عن البطولة التونسية فقد أكد الطبوبي أن تراجع مستوى البطولة وتأخر موعد إنطلاقها يؤثر آليّا على مردود الفرق قاريّا , وختم الطبوبي تصريحه بتأكيده على ضرورة تأطير الشبان سواء في النادي الافريقي أو النادي الصفاقسي فنقص الخبرة سُرعان ما يُترجم على أرضية الميدان.
وفي تصريح الصحفي الرياضي بوكالة تونس إفريقيا للأنباء حسني الغربي للريّاضية, أكّد كذلك أن تأخر إستئناف نشاط البطولة الوطنية وتأجيلها إنعكس سلبا على الجاهزية البدنية والفنية للفرق التونسية وهو ما كان واضحا مؤخرا على مستوى جميع الفرق حتى الترجي الرياضي التونسي الذي ضمن التأهل بشق الأنفس في مواجهته ضد بلاتو يونايتد النيجيري وبالتالي فإن خروج النادي الصفاقسي والنادي الافريقي دليل قاطع على تأثر الأندية التونسية بتأخر المقابلات , فنسق المباريات الودية التي يخوضها اللاعبين لا يمكن أن يضمن نسقا متصاعدا للفرق.
وأضاف الغربي أنه الى جانب انعدام النسق وتراجع جاهزية اللاعبين فإن المشاكل الإدارية التي يعيشها فريقي باب جديد وعاصمة الجنوب من ديون وعقوبات بمنع الإنتدابات تؤثرعلى أداء الفريق , وأكد أنه على مستوى البطولة التونسية لا يمكن أن يظهر مستوى العناصر أو الإنتدابات الجدد أما على مستوى المسابقات القارية فان اللعب ضمن مواجهات ذات مستوى قويّ يتطلب لاعبين قادرين على تقديم الاضافة وهو ما لاحظناه في أداء النادي الإفريقي و النادي الصفاقسي . وأشار الغربي أن أداء الترجي الرياضي التونسي رغم ضمانه التأهل ضمن دوري أبطال إفريقيا فإنه لا يبشر بخير ولا يمكنه الوصول إلى أدوار متقدمة في المسابقات , فالترجي اليوم مطالب بتحسين أدائه عبر الإمكانيات الضخمة التي يزخر بها فريق باب سويقة خاصة بعد مباراة أبناء معلول وأمل حمام سوسة ضمن البطولة المحترفة لكرة القدم والتي انتهت بالتعادل السلبي ليطرح أداء الترجي جملة من التساؤلات في الشارع الرياضي.
“الإستثمار الأجنبي” ضرورة مُلحّة
تتعدد الحلول و الإستراتيجيات التى إقترحها المختصين في الشأن الرياضي بين حلول فنيّة و إدراية وتنظيمية للنهوض بمستوى الفرق التونسية إذ اقترح المحلل الفنّي زياد المستيري إتّباع الأمثلة المصرية و السعودية عبر تغيير نظام الجمعيات وتحويلها لشركات من خلال فتح آفاق لمستثمرين أوروبيين و خليجيين لضخّ موارد مالية في خزائن الفرق والتي من شأنها أن تجسد حلا لفضّ المشاكل والنزاعات المادية واستشهد المستيري بتطور فريق بيراميدز المصري منذ إستثمار رجل أعمال سعودي في أسهم النّادي. كما شيّد بمستوى الفرق المصرية (الأهلي , الزمالك..) الذي تطور بفضل الاستثمارات الأجنبية إذ تحولت هذه الفرق إلى “شركات كُبرى” وطالب باعتماد هذا الحل في الدوري التونسي قبل تدهور البطولة التونسية والذي سينعكس على الاستحقاقات الإفريقية.
أما في حديثه عن وضعيّة النادي الإفريقي فقد أكد المستيري أن اختيار مارشان لترأس الإطار الفني لم يكن موفّقا معتبرا أنه يعاني من مشاكل صحية و ليس قادرا حتى على حضور حصة تدريبية كاملة للاعبين و وصف المستيري فترة ترأس مارشان لفريق باب جديد “بالسّياحة” وقال أن الحلّ اليوم هو استقطاب مدربين تونسيين خاصة مع المشاكل المادية للفريق مستشهدا بأداء نصر الدين نابي الذي نجح في رهانه مع فريق يونغ افريكانز التنزاني.
وشيّد من جانبه حسني الغربي بمستوى اللاعبين الشبان إلا أنه إعتبره غير كافٍ للوصول إلى مراحل متقدمة في المسابقات القارية , أما عن الحلول التي اقترحها الغربي لتطوير مستوى الفرق التونسية في المسابقات الإفريقية فقد شدّد على ضرورة تسوية الوضعيات الإدارية في الأندية . أما على المستوى الإستراتيجي فيجب إعادة النظر في القوانين و النصوص التشريعية التي تعتمدها الهياكل الرياضية في تونس حتى يسمح للأندية التونسية بتطوير مواردها المالية لتُصبح قادرة على الإنتداب وتتحول الى نوادي محترفة بأتم معنى الكلمة , وأكد أن الوضعية الحالية وبمستويات الأندية التونسية لايمكننا الحديث عن تتويجات قارّية. وفي هذا السياق يجدر التذكير أن القانون الريّاضي يفرض إعتماد مداخيل داخلية و تُمنع الإستثمارات الأجنبية في الجمعيّات الرياضية وفق ما جاء في الفصل 6 من القانون الأساسي عدد 11 المتعلق بالهياكل الرياضية : ” تمول الجمعية أساسا من مداخيلها الذاتية المتأتية من نشاطاتها المرتبطة بصفة مباشرة أو غير مباشرة بموضوعها و من مساهمات الدولة والجماعات المحلية و المؤسسات العمومية و المؤسسات الخاصة ومن الاشهار و الاستشهار و من الهبات و من مساهمات أعضائها و اشتراكاتهم.”
ودعا الغربي في تصريحه رؤساء الأندية التونسية إلى المطالبة بتغيير القوانين الرياضية المعمول بها لتطوير مواردها المالية لأن تراجع الإمكانيات المادية يحرم الفرق التونسية من بلوغ منصات التتويج الإفريقية والعالمية.