9.9 C
تونس
25 نوفمبر، 2024
كرة قدم وطنية

ظاهرة المجموعات الريّاضية أو “الألتراس” في تونس… دفاع عن ألوان الفريق أم إثبات للهويّة ؟

الريّاضية – أميمة الجبالي

يعدُّ عالم المجموعات في ظاهره عالم الفرجة و جماليّة التّشجيع الا أن باطنه يلوّح بواقع خطير,فتعتمد هذه المجموعات نظاما صارما و تشرّع قوانين مُحبكة فتتّخذ طرق فريدة في التّشجيع المستمرّ و شعارات ضد السّلطة وترفض رفضا قاطعا الظّهور الاعلامي و وتواجد العنصر النّسائي في صفوفها  … هذه بعض قواعد مجموعات الفرق في العالم وتونس.

فهل يدافع أفراد هذه المجموعات عن فرقهم أم يحاولون إثبات ذواتهم إنطلاقا من المدرّجات؟

الألتراس و الهوليغانز : تاريخ لا يخلو من السّطور الحمراء

إنطلق إنتشار مفهوم المجموعات في العالم منذ القرن العشرين وظهرت توجّهات و تحرّكات عديدة لتخلق منعرجا تاريخيا هاما في عالم الرياضة ,إذ ظهرت ثقافة الألتراس والتي تعني “المتطرفين” سنة 1940 في البرازيل مع مجموعة “تورسيدا” لتنتقل فيما بعد الى أوروبا تحديدا كرواتيا و يوغسلافيا وتصل فيما بعد الى شمال إفريقيا , أما كلمة الهوليغانز فدائما ما تتردد على المسامع , ويُقصد بثقافة الهوليغانيزم بالأشخاص الهمجيون الذين يتورطون في أعمال الشغب والعنف والتخريب في الأحداث الرياضية لا سيّما كرة القدم ,أمّا “الهوليغانيزم” كظاهرة فتعني شغب الملاعب سواء كان أعمال عنف أو تخريب.

جذور هذه الظاهرة برزت في إنقلترا سنة 1960 , منشأ عالم كرة القدم إلا أن “الهوليغانيزم” لم يكن أفضل إكتشافاتهم ! فمنذ تلك السنة أخذت هذه الظاهرة أبعادا قوية خرجت عن سيطرة الأمن في البلاد فمن مناوشات بين جماهير الفرق في الملاعب إلى معارك قتاليّة تقضي على حياة الآلاف بأبشع الطرق عبر عمليّات قتل  ودهس وغيرها من الأساليب الوحشيّة على مرأى ومسمع الجميع .

عموما يتّسم أفراد هذه المجموعات عالميّا بالعقليّة المتعصّبة والمتطرّفة لأبعد الحدود وخلقوا عالما خاصا تظبطه قواعد وكل خائن مصيره محتوم, إذ تُبيح هذه المجموعات القتل في سبيل فريقها سواء داخل الملعب أو خارج أسواره وقد تصل صرامة القواعد وأغربها في بعض البلدان إلى ضرورة بترإصبع الخنصر كدليل للإنتماء والولاء للمجموعة أولا و الفريق ثانيا , ومن القواعد الأساسيّة عدم التوقف عن التشجيع طول المباراة مهما كانت نتيجة المباراة ويختلف الأسلوب بإختلاف العادات حسب البلد من الغناء إلى الرقص إلى إستخدام الطبول والمفرقعات النّارية والعبارات الصّادمة.

ويشرف على كل مجموعة من هذه المجموعات قائد تشجيع و يُسمّى “الكابو capo-” وهو الذي يقوم بالتّنسيق بين الجماهير أولاّ , ثانيا التنظيم و الإنتماء الدائم للمكان المخصص في المدرّجات إذ تختار كل مجموعة منطقة مميّزة تُسمى “المنطقة العمياء” والتي تكون بها التكاليف أرخص من المناطق الأخرى فتتخذ منها مكانها الخاص كما يوجه الجماهير خلال الغناء و الهتافات ويعتلي مكانا ما لتلتزم الجماهير بتعليماته, إضافة إلى حضور جميع المباريات الخاصّة بالفريق إن كانت محليّة أو خارجيّة وفي جميع المسابقات وضرورة التّشجيع المستمر فلا يجب أن يعلو صوت فوق صوت المجموعة و إن كٌنت خارج ملعبك.

تسبّبت هذه الظاهرة في إنتشار الحوادث القاتلة والمميتة منذ إنتشارها في البطولات المحليّة والعالميّة لعلّ أبرزها هجوم هوليغانز الفريق البيروفي على الملعب خلال تصفيات أولمبياد طوكيو سنة 1964 وذلك في لقاء البيرو ونظيره الأرجنتيني مما دفع الأمن إلى غلق الأبواب ومحاصرة الجماهير بإطلاق الغاز المسيل للدموع ما خلّف 327 قتيل على الاقل أما بالنسبة لمجموعات الألتراس فقد تسببت في نهائي الدوري الأوروبي سنة 2008 في مقتل أكثر من 52 مشجع إثر توافد أكثر من 300 ألف مشجع على الملعب ما أحدث مناوشات داخل المدارج و خارجها بعد سقوط الشاشات العملاقة التي خُصصت للجماهير التي لا تحمل تذاكر.

وسعيت السلطات الاوروبية قديما إلى إتخاذ تدابير صارمة تمنع الأندية الإنقليزية من المشاركة في البطولات الأوروبية لخمس سنوات مع التّهديد بعقوبات أشدّ صرامة إذا لم يتم إتخاذ قرارات حاسمة لإستئصال الظّاهرة.

ظاهرة المجموعات وإن نشأت في البلدان الغربية إلا أنها شملت الملاعب العربية لتنجر عنها حوادث دامية كالمأساة المصرية التي جدت خلال مباراة الأهلي و النادي البورسعيدي سنة 2012 اذ لقي 77 مشجع مصرعهم وأصيب أكثر من ألف شخص بجروح متفاوتة الخطورة جراء أحداث العنف التي إندلعت في المدرّجات ليعلن مجلس إدارة نادي الأهلي تجميد نشاط النادي والإنسحاب من كافة البطولات.

ثقافة الألتراس في تونس : بين المحو و الترسيخ

لئن إختلفت ألوان الفرق و المجموعات إلا أنها تتشارك القواعد والمبادئ , فقد إجتاحت ثقافة الألتراس الجماهير التونسية بداية الألفينات مع مجموعة “ULTRAS مكشّخين” للتّرجي الريّاضي التي تكوّنت في 2002. تحتل هذه المجموعات “الفيراج” و تراوح بين عروض “الكراكاج” و رفع الشعارات و أعلام المجموعة لفرض سيطرتها أمام المجموعات الاخرى عبر ما يعرف بال”باشاج”   فكثيرة هي وسائل التشجيع التي تعتمدها المجموعات في التشجيع ك”التيفو” أو “الدّخلة” .

وخلال بحثنا في هذا الموضوع توصّلنا إلى أحد أعضاء مجموعة تنتمي لأحد أندية العاصمة يرفض قطعا الإفصاح أن إسمه أو إنتمائه أن القاعدة الأساسية للألتراس تفرض إستمرارية التّشجيع لآخر لحظات المباراة مهما كانت نتيجة اللقاء مع إرتداء منتوج المجموعة (قميص-وشاح..) لإثبات الهوية كما تملك كل مجموعة لافتة أو “باش” للمباريات المحليّة و آخر للتنقلات ويُمثّل هويّة المجموعة.

وتختلف قليلا صرامة تطبيق قواعد الألتراس في العالم عن التّي تتبعها المجموعات في تونس فيرتدي مثلا أعضاء المجموعات خلال التنقلات ملابس سوداء لاعتبارها مهمة (أو معركة) على حد تعبيره تخوضها المجموعة . وأكد أن إختلاف المسابقة التي يخوضها الفريق لا يغيّر طريقة التشجيع أو “الدّخلة” مهما كانت اهميّة المقابلة و إطارها.

أمّا عن الجانب التّنظيمي فقد أكّد مصدرنا أن تنظيم المجموعات عموما يكون محبكا و ليس إعتباطيّا إذ تُقسّم المجموعات حسب الولايات اوّلا و المناطق ثانيا و يشرف مسؤول على كل منطقة معيّنة من الشّمال الى أقصى الجنوب و تتضّمن المجموعة مسؤولين آخرين كمشرف خاص عن الإشكاليّات داخل المجموعة ومسؤول عن المعدّات التي تتواجد في الملعب قبل المباراة ويتم تنظيمها بإعلام السّلطات الأمنيّة عنها مُسبقا (أعلام, أدوات التشجيع..) ومشرف آخر عن الجانب التمويلي, وأضاف أن تمويل ما يعرف “بالدخلات” و الشماريخ “للكراكاجات” يكون عبر أعضاء المجموعات من مختلف المناطق.

ويمكن أن يتمتع أعضاء المجموعة ببطاقة عضوية تُسند كل سنة للأفراد النّاشطين والفاعلين داخل المجموعة وتُنتج كل مجموعة ملابس سواء شتوية أو صيفية لدعم مداخيل المجموعة تحت رقابة المسؤول عن الجانب المادي, وأكد أن المشاكل وأحداث العنف تنتج عامة إثر مناوشات بين مجموعات نفس الفريق إذ تحاول كل مجموعة في الملعب أن تفرض وجودها ممّا يسبب استفزازات من الطّرفين التي تتحول إلى أحداث شغب تستدعي تتدخل إثرها السّلطات الأمنية وقال أن التشنجات النابعة من كل الأطراف تؤدي إلي إندلاع الإشتباكات في أغلب الأحيان مؤكدا أن الأمن لا يُحذق التعامل مع مختلف المجموعات على حد تعبيره.

وفي سؤالنا عن كيفية إدخال أعداد كبيرة من الشماريخ للملاعب تحفّظ مصدرنا الأول عن الإجابة لكن تمكنّا من الإتّصال بأحد أفراد مجموعات فريق آخر وصرّح لنا أن أعضاء المجموعة يدخلونها عبر أسوار الملاعب قبل فترة من المباراة تتراوح بين أسبوعين واسبوع ويتم أحيانا إفتعال مناوشات إما قبل المباراة أو بين الشوطين من جانب المجموعات لتمكين الأعضاء من إدخال الشماريخ في حقائب خلال الفوضى التي تعم محيط الملعب.

أما إجتماعيّا أكّد أستاذ علم الاجتماع محمد الجويلي في تصريحه للرياضية انتشار ظاهرة ثقافة المجموعات في تونس مع نهاية تسعينيات القرن الماضي و بداية الألفيّات أي مع انتشار العولمة و ظهور وسائل التواصل الإجتماعي. وأسهم تراجع دور مؤسسات التنشئة الشبابية عن أدوارها في بحث الشّباب عن أشكال جديدة للتّنظم ولبناء هويّة شبابية جديدة فمثّلت مجموعات الألتراس ثقافة و مدرسة جديدة لخوض تجربة شبابية فريدة من نوعها .

من جانب آخر ظهر إهتمام إعلامي تونسي كبير في تلك الفترة بكرة القدم العالمية و التونسية خاصة مع بداية الإحتراف في منتصف التسعينيات مما أنشأ فكرة لاعب كرة القدم كنموذج للنجاح الإجتماعي ، وأضاف الجويلي أن تكوين مجموعات الألتراس ظهر خاصة في العاصمة أو في المدن الكبرى لتتشكل بذلك هويات شبابية جديدة فالشاب الذي ينتمي للألتراس يعيش تجربة فريدة من نوعها من خلال الالتزام إذ يعيشها الشاب باختياره الخاص أي أن بها جانب كبير من حرية الاختيار ، وقال أن تبني هذه الثقافة أصبح المرجعية الأولى للشباب أمام تراجع الطلب على الايديولوجيا و الأفكار الكبرى.

واتبع الشباب في تونس ألتراس إيطاليا خاصة (للقرب الجغرافي) و أوروبا عامة. وتتضمن تجربة الانضمام لمجموعة الألتراس التنقل داخل تونس و خارجها و كتابة الأغاني، إضافة إلى تنظيم احتفاليّات المباريات الكبرى كالدّربي.. كل هذه الأنشطة تمنح الفرد الإحساس بقوته في صفوف مجموعته من خلال تحقيق ذاته وعلاقته بالآخر والمجموعة  إذ تربط مجموعة الألتراس علاقات أفقية تتضمن تشاركية كبيرة بين كل أطرافها .

“كرة القدم بلا ألتراس… لا تعني شيئًا” بهذه العبارات يسعى أفراد المجموعة في العالم إلى المحافظة على قواعدهم و مبادئهم مهما تكرّرت الحوادث وإختلفت البلدان.

 

 

آخر الأخبار