الرّياضية – وصال الكلاعي
تعيش الرياضة التونسية أزمة فادحة خاصة على مستوى اللّعبة الاكثر شعبية في العالم، كرة القدم. فلم تتم عودة البطولة المحلية حتّى قبل أقل من خمسين يوما من مشاركة المنتخب الوطني التّونسي في نهائيات مونديال قطر 2022. رغم ضرورة تعزيز الجاهزية البدنية لللاعبين قبل هذا الحدث العالمي ومنحهم فرصة البروز وإقناع القادري لحجز مكان في قائمته للمونديال. وهي مسؤولية وضعها وزير الشباب والرياضة كمال دقيش على عاتق أعضاء المكتب الجامعي، وبالتحديد رئيسه.ضمنيا. وتطرق دقيش في ندوته الصحفية التي عقدها بمقر الوزارة إلى معضلة التسيير الرياضي في تونس والخور الذي يسود هذا القطاع والسّبيل لإصلاحه.
الكرة التّونسية في مستنقع المصالح
تعاني جلّ الأندية اليوم من مشكلة على مستوى التّسيير الإداري وسوء التّصرّف إن صحّ التّعبير. ولعلّ أكثر نادٍ أرهقه التّصرّف الإداري هو النّادي الإفريقي الّذي ما انفكّت عقوبات الفيفا تُسلّط عليه. ولعلّ ذلك أبرز أسباب غيابه عن منصات التّتويج في السّنوات الأخيرة. وبقيت “الحديقة أ” تعاني مخلّفات إدارة سليم الرّياحي. فقد ترك هذا الأخير النّادي غارقا في الدّيون بل عاجزًا عن سدادها. ولم يتمكّن الأحمر والأبيض من القيام بالانتدابات اللاّزمة لتعزيز رصيده البشري وبلوغ المنافسات القارية. ولم تتوقّف أزمة التّسيير في النّادي الإفريقي مع توقّف رئاسة الرّياحي. فبعد مغادرته الفريق، خلفه عبد السّلام اليونسي الّذي عمّق الجراح في باب جديد. وزاد من مديونية النّادي وربّما لم يجد غير إمضاء الصّكوك دون رصيد حلاً لتسيير شؤون الفريق. حتّى إنّه ألقي عليه القبض في الأسبوع الأخير من شهر فيفري المنقضي، بتهمة الصكوك دون رصيد. وقد هُدّدت حرّيته بسبعين سنة سجنا.
ويقول الصّحفي الرّياضي عربي الوسلاتي: ” الكثير من الرّؤساء حاولوا العمل حسب قدراتهم المادية لكّن وجدوا أنفسهم على أعتاب السّجون كالرّئيس السّابق للملعب القابسي صابر الجميعي”.
وأكّد الصّحفي الرّياضي عربي وسلاتي إنّ اِضمحلال المستوى الرّياضي في تونس هو نتيجة تراكمات عدّة. أبرزها التّشابك بين جميع الأطراف المسؤولة من الجامعات إلى الوزارة. ففي الكثير من المرّات نلاحظ دخول بعض الأشخاص، بكامل ثقلهم المادّي، مجال التّسيير الرّياضي لكن دون أن يعوا مشاكل هذا القطاع وحقيقة الوضعية المادية للنّادي الّذي سيترأسّه.
ولعلّ أبرز تجلّيات سوء التّسيير كذلك هو التّصريحات المستفزّة وغير الموزونة للمسؤولين بل فقدانهم للذّكاء الاِتّصالي في عالم كرة القدم.
ويقول المحلّل الفنّي زياد مستيري في هذا الصّدد: ” المسؤولون التّونسيون اليوم لا يتقنون سبل التواصل الإعلامي. يجب أن يكون المسيّر مكوّن إتّصاليًا فالكثير منهم قام بتصريحات مستفزة نتيجتها واحدة، اِفتعال العنف في صفوف الجماهير. ومثال ذلك رضا شرف الدّين الّذي ما انفكّ يقوم بتصريحات مستفزّة لا تليق بقيمة مسؤول عن فريق عريق بقيمة النّجم الرّياضي السّاحلي. ورئيس النّادي الرّياضي الصّفاقسي أيضا في مرّة من المرات تفوّه بعبارات غير لائقة في برنامج الأحد الرّياضي مع رازي القنزوعي. هناك حد أدنى من التّكوين الإتّصالي الّذي يجب أن يتلقاه المسؤول الإداري والرّياضي. ونذكر أيضا تصريحات مسؤولي النّادي الإفريقي فقد قالالعلمي “نجيبهم على لوحة” وقال الآخر “معادش يهزّوا معانا حتى شي” كلّه كلام مدرّجات كلام نسمعه عادة من المحبين وليس من مسؤول وهي في الحقيقة تصرّفات صبيانية”.
ويعتقد الصّحفي عربي وسلاتي أنّ التّسيير الرّياضي للأندية اليوم تفشّت فيه الإخلالات سيما بعد الثّورة. ويرى أنّه من المفروض أنّ يتم تنقيح قوانين التّسيير الرّياضي وفقا لمعايير مضبوطة. وذلك بوضع شروط صارمة ومواصفات معينة للتّرشح لمنصب رئاسة أحد الجمعيات. ليس بالضّرورة أن يكون المسيّر صاحب شهادة علمية ولكن على الأقل له مستوى ثقافي وتربوي وأخلاقي محترم ودرجة معرفة ووعي وإدراك واسع بالمجال الرّياضي وإدارته. حتى يكون تسيير ذلك الهيكل الرّياضي في مستوى التّطلّعات.. وصفوة القول، يجب إعادة تقنيين هذا المجال حسب رأي وسلاتي.
وقد قيّم زياد المستيري التّسيير الرّياضي في تونس بإسناد درجة دون المتوسّط بكثير. وقال: ” أحمّل تراجع المستوى الرّياضي للكرة التّونسية للمسؤولين لأنّهم هم من يعيّنون المدرّبين والمدراء الفنيين”.
ودعّم مستيري موقفه قائلا: ” من يخسر مبارتين متتاليتين في تونس يتم طرده فورًأ من الفريق على عكس أوروبا. فمثلا أرسنال في الموسم الماضي المدرب اِنهزم في خمس مباريات متتالية ولو كان في تونس لتمّ طرده فورا لكن الإدارة آمنت به وجدّدت ثقتها فيه ومنحته الوقت الكافي للعمل حتى أكمل الموسم في المركز الخامس من بريمرليغ”.
البصيص وسط العتمة
يقول الصّحفي عربي وسلاتي: ” عموما إن لخّصنا المشهد اليوم أغلبهم دون المستوى. لكن هناك بعض الرؤساء تقوم بواجبها كما يجب. هناك اِستثناءات جيّدة. وعلى رأس القائمة نذكر حمدي المدب. فالترجي فريق ألقاب وتتويجات بطبعه. الفريق يعيش حالة إستقرار مادي متواصل. ولم نرصد أزمة مالية صلب التّرجي الرّياضي. إداريا الهيئة مستقرّة ودائما ما تحاول تكريس الثبات المادي والمعنوي على حدّ السّواء وهو ما يحسب لها. ورغم أنّه هناك بعض الأخطاء الرّياضية أحيانا، إلاّ أنّ إداريا أعتقد أنّ التّرجي من أنجح الفرق على مستوى التّسيير الإداري في تونس”.
وأكّد وسلاتي أنّ حمدي المدب وأحمد البلي من أفضل المسييرين الرّياضيين في السّاحة التّونسية اليوم. وأشاد أيضا برئيس المستقبل الرّياضي بسليمان رغم الإنتقادات الّتي تطاله فهو يحاول ضمان الاستقرار في الفريق”.
أمّا زياد مستيري فيقول: ” ما أعيبه على أحمد البلي أنّه لا يهتم كثيرا بالشّبان في خطّته التسييرية. فكل تركيزه على فريق الأكابر. وهو ما يفسّر تذبذب نتائج فريق الإتّحاد المنستيري بين السّنة والأخرى لأنّ التّكوين القاعدي غير متوفّر. لذلك يجب وضع منهاج تسييري على المدى البعيد لضمان الاستقرار وديمومة النتائج. عدا ذلك البلي ممتاز جدًّا تسييريا في مستوى الأكابر. فهو مثلا يستقدم مواهب بسعر أقل بكثير مقارنة ببقية الأندية ومعظمهم ناجح”.
الكواليس أهمّ من المسرح
قد يضطّر المسيّر الرّياضي اليوم، إلى لعب الكرة في كواليس الملاعب لا على أرضياتها لينال إستحسان ورضا من هم أعلى منه سلطةً وإن حصل ولم يخضع لقوانين لعبة الكواليس الدّاخلية قد يضع الفريق الّذي يديره أمام حتمية تحمّل أعباء الخلافات الشّخصية مع من يجلسون في أعلى أهرام السّلطة في السّاحة الرّياضية المحلّية.
ومثال ذلك الوضعية الحالية لرئيس الهلال الرّياضي بالشّابة توفيق المكشر، الّذي لا يخفى على أحد منّا خلافاته الشّخصية مع رئيس الجامعة التّونسية لكرة القدم وديع الجريئ، الّتي ألقت بظلالها على كرة القدم التّونسية وبطولتنا المحلية خاصّة إذ أصبحت هذه الأخيرة تُلعب في أروقة المحاكم لا فوق أرضيات الملاعب.
وأبدى الصّحفي عربي وسلاتي رأيه في هذا الأمر. قال: “إنّ ما يجري اليوم بين هيئة الهلال الرّياضي الشّابي والجامعة التّونسية لكرة القدم ووزارة الشّباب والرّياضة يؤكّد أنّ حتى التّسيير في أعلى مستويات السّلطة نفسها يحتاج إلى المراجعة حتى نتمكّن من العيش في مناخ رياضي محترم”.
وقد عقد وزير الرّياضة االأربعاء المنقضي لقاءً إعلاميًا تناول فيه جملة من النّقاط. إذ قال كمال دقيش الذي عُرف بموقفه المفضوح تجاه المكتب الجامعي ومن يرأسه: هناك سوء تسيير واضح للجامعات الرياضية. بل أصبح الفساد يطغو هذا القطاع. البعض يحسب أن المرفق العام هو “ملك السيد الوالد” لاحظنا غياب الحوكمة الرشيدة. وتلك الشفافية المزعومة محاكة على المقاس”.
وأضاف: “ما يستاهلش يكون على رأس هيكل كرة قدم.. نحن فوضنا له المرفق العام فأصبح يناشد التّحكم فينا.. إذ يتعامل هذا الشّخض مع الأندية بسياسة المقايضة والمحاباة وهذا كلّه موثق” وأكد أنه وجب تطهير هذه المنظومة الّتي ينخرها الفساد. وقال: “إنّ من يتذرّع بالفيفا نعلمه أنّه لا يمكن لأن جهة أجنبية التّدخل في قوانيننا الداّخلية وإلاّ أصبح في ذلك تعدٍ صارح على سيادة الوطن”.
تجديد القوانين حلّ جذري!
أكّد شكري حمدة، المدير القانوني للوزارة أنّه منذ تولي كمال دقيش الحقيبة الوزارية، تسعى وزارة الشّباب والرّياضة إلى تحيين القوانين البالية لإعادة تأطير الرّياضة والنّهوض بها.
إذ تقوم الوزارة في الوقت الحالي بإعداد مشروع مرسوم يقنن مجال التسيير الرياضي. ويرتكز هذا القانون على ركيزتين إثنتين وهما تأطير الرّياضة وتطهير المشهد الرياضي الذي اِعتبره الوزير “متعفّن” وسيسعى مشروع القانون الجديد إلى تثمين المرفق العام الذي يعدّ العمود الفقري للهياكل الرياضية قاطبة. ومنه إعادة هيبة الدولة.
وقال مدير الرّياضة بوزارة الشّباب، المنصف شلغاف في مصدح الرّياضية: “تمّ تنقيح المرسوم الصّادر 2011 الّذي شُرّع بالأساس للحدّ من إستقلالية الهياكل الرّياضية. إلاّ أنّ عديد الهياكل الرّياضية تجنّدت لتنقيحه. محاولة منها في تشكيل حصانة وذريعة للتّجاوزات الّتي يقوم بها بعض الأطراف. وبلغنا بذلك درجة أنّ “كل واحد يعمل جبّة على قياسو” وهو ما من شأنه أن يسيء إلى مسار السّياسة والاستراتيجية الوطنية في تأطير الرّياضة. لكنّ مشروع قانون المرسوم الّذي تعمل عليه الوزارة قادم لتحقيق العدل وتنظيم قطاع الرّياضة وتنظيم التسيير على مستوى الهياكل”.
وقال الوزير إن أندية كرة القدم تساوي مداخيلها أحيانا المليارات فكيف يكون التمويل العمومي إلزاميا. لا يمكن الحديث عن تغيير صبغة الأندية القانونية من جمعيات إلى شركات تجارية في الوقت الرّاهن. لكن الوزارة بصدد العمل على تمكين الجمعيات من بعث شركات ربحية موازية خفية الاسم تعنى بالتمويل الذاتي للجمعية وهكذا على الأقل يمكن الحديث عن الاحتراف في كرة القدم التّونسية. وأكد الوزير أن المرسوم الجديد لن ينسى النزاعات الرياضية التي ما فتئت تبرح المشهد الكروي المحلي. فسيقترح المشروع إنشاء لجنة نزاعات محلية تكرس حيادية القضاء الرياضي وفوريته. إذ لن تتجاوز معالجة الملف الواحد 48 ساعة على أقضى تقدير. ودعّم دقيش هذه الفكرة قائلا:” 90% من النّوادي التّونسية غير قادرة على مصاريف التاس، المحكمة الرياضية. في هذه الحالة يغيب العدل وتحرم هذه النّوادي من الدفاع عن حقوقها. علمًا أنّ التّوجّه للمحاكم الأجنبية فيه اِستنزاف للمال العام والعملة الصّعبة