15.9 C
تونس
23 نوفمبر، 2024
غير مصنف

ايقاف مشاهير الرياضة بتهمة “هضم جانب موظف”: جدل بين الحصانة والظلم والتعاطف الجماهيري

الرياضية – هاني إبراهمي

عادت ظاهرة إيقافات الرياضيين في تونس بسبب تهم بهضم جانب موظف أثناء آداء وظيفته، وهي ظاهرة قديمة ومتجددة حيث حصل الأمر مع اللاعب السابق للنجم الساحلي حمدي النقاز وتكرر الأمر في الأشهر الأخيرة مع لاعب النادي الافريقي لكرة اليد أسامة الرميكي ثم في بحر الأسبوع الفارط مع النجم الأول لكرة السلة التونسية واللاعب السابق في الـNBA صالح الماجري وهو ما يدعو لعديد التساؤلات التي سنحاول إيجاد إجابات لها في هذا التحقيق.

وفي هذا الإطار يبقى السؤال المطروح، هل أن الرياضيين يتعرضون للظلم بهذه التهمة أم أنهم يتمتعون بحصانة باعتبار نجوميتهم، وما هو تأثير الضغط الجماهيري على سير مثل هذه القضايا ؟ 


وجهة النظر القانونية 

سؤال يجيب عنه المحامي التومي بن فرحات في حديثه مع الرياضية بقوله ان لا أحد فوق القانون لكن الإشكال الذي ظهر في الفترة الأخيرة هو التعامل مع الرياضيين والمشاهير لا يكون بنفس الطريقة مع المواطن العادي لأنه يتم استفزازهم وجرّهم إلى معارك وخصومات ثم يتم التعامل معهم بصرامة كبيرة مبالغ فيها، ففي قضية أسامة الرميكي تم طمس الأدلة ورفض تقديمها من قبل الأمنيين طيلة الثلاثة أشهر التي تم خلالها إيقاف اللاعب ليخلص في آخر الأمر الى إثبات أن صفة الأمني المُعتدى عليه في ذلك اليوم غير ثابتة وبالتالي كانت القضية في نهاية المطاف عبارة عن “شجار بين مواطنين عاديين” وفق تعبيره.


ويضيف بن فرحات أن هذه القضايا يتم التعامل معها بصرامة كبيرة بمجرد علم الأمنيين بصفة ذلك الشخص بل يصبح هناك تأثير كبير من النقابات الأمنية التي تصبح هي المتحكمة في الطرف المقابل (الأمني) وهي التي تحدد مسارات القضية مما يولد تكتلات كبيرة بين الأمنيين.


ويشدد محدثنا على أن المساندة الجماهيرية والضغوطات عبر وسائل التواصل الاجتماعي عادة ما تكون حول كيفية التعامل مع بعض الرياضيين وعدم احترام تاريخهم وما قدموه لتونس مشيرا في الآن ذاته إلى أن هذه القضايا هي فرصة لتسليط الأضواء على الظلم الذي يتعرض له المواطنون العاديون خاصة إذا كانت ضد أمنيين وهي فرصة أيضا لكشف تلفيق المحاضر الذي يتم ومما إلى ذلك.كما يؤكد التومي بن فرحات في نهاية كلامه أن الرياضيين في نهاية المطاف هم قدوة ويجب أن يكونوا ملتزمين بالقانون داعيا كل الأطراف الأمنية إلى التعامل مع الرياضيين بعدالة تامة وتحت طائلة القانون وضمان حقوقه كــاملة.


بين الاحترام والاستفزاز
ويقول المحامي والمحلل الرياضي الأستاذ فتحي المولدي في تصريحه للرياضية أن الشخص المشهور أو الشخص العام سواء كان رياضيا أو كغيره، هو مواطن عادي وأكثر من عادي في واجب احترام القانون باعتباره مثالا لبقية الناس وبالتالي يجب أن يكون “فوق القانون في احترام القانون وليس في خرقه” مضيفا أنه في العادة رجالات الأمن يحترمون المشاهير وهم بدورهم يحترمون الأمنيين ولكن في بعض الحالات عندما لا يعرف بعض الأمنيين رياضيا معينا فإنهم سيتعاملون معه باستفزازية باعتباره مواطنا عاديا بالنسبة اليه وهو ما يولد ردة فعل غير عقلانية من الرياضي فيقول له “ما عرفتنيش أنا شكون” وهو ما يزيد من توتر رجل الأمن الذي يعتقد حينها أن ذلك الشخص المشهور فوق القانون.


ويشدد المولدي على أن المسؤولية مشتركة بين الطرفين وإنما عادة ما يكون النقاش الذي يدور بينهما فيه استفزاز من رجال الأمن وبعض التعالي من بعض المشاهير، وعند التمعن فإن الجنحة التي نُسبت لكل المشاهير هي “هضم جانب موظف..” وهو ما يعطي فكرة عن الألفاظ المستعملة من قبل بعض النجوم الذين يعتقدون أنهم مارقون عن القانون ولكن يشير محدثنا إلى أن هذه التهمة تنسب لعشرات وان لم نقبل مئات الأشخاص بشكل يومي في تونس وبالتالي عندما يكون الشخص مشهورا يسانده الجميع بينما لا يلتفت أحد للمواطن العادي.


ويوضح المولدي أن الضغط الجماهيري ليس هو من تسبب في اطلاق سراح صالح الماجري وأسامة الرميكي بل أن الأمني هو الذي أسقط القضية عن الماجري ليغادر الايقاف بعد 24 ساعة بينما لم يحصل نفس الأمر مع الرميكي الذي مكث بالسجن لمدة 3 أشهر.
ويشير المولدي إلى أن التعاطف عبر وسائل التواصل الإجتماعي يتم مع الأشخاص الذين قدموا الكثير للرياضة التونسية لكنه تعاطف أعمى من قبل الناس الذين لا يرى أغلبهم أي تفاصيل لتلك القضايا، لكن هذا الأمر  لا يمنع أن يلتزم المشاهير باحترام القانون مهما بلغ صيتهم وشهرتهم.


وجهة النظر الواقعية
يقول اللاعب السابق للنادي الإفريقي وعديد الأندية الأخرى والمدرب الحالي ياسين بوشعالة في تصريحه للرياضية ان الرياضي الذي يكون مشهورا يجب أن يحترم القانون ويجب أن يكون قدوة للصغار والكبار ويكون ملتزما في حياته اليومية لكن مسيرة الرياضي عادة ما تكون قصيرة وهو ما يجعل من حصوله على أموال طائلة أمرا عاديا لكن بعض شرائح المجتمع وحتى في بعض الأمنيين الذين قد يحملون تشفيا وغيرة من هؤلاء المشاهير وهو ما ينتج عنه هرسلة لهؤلاء الرياضيين حين تتوفر الفرصة لبعض رجال الأمن.ويحمل بوشعالة المسؤولية القانونية للرياضيين أيضا حيث يدعوهم لعدم التعالي خاصة في فترة ممارسة نشاطهم والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يضعهم في مشاكل قانونية  هم في غنــى كامل عنها.ويصف بوشعالة التعاطف والمساندة الجماهيرية بالأمر العادي للرياضي باعتباره محبوبا في أغلب الأحيان من قبل الناس لكن هذا الأمر لا ينفي أن لا يستعمل الرياضي شهرته لتجاوز القانون أوالتعدي على الغير وهو ما لا ينفي أن بعض الحالات من هؤلاء الرياضيين تعرضوا لمعاملات سيئة وغير قانونية مشيرا في النهاية إلى أن المسؤولية الأولى تلقى طبعا على عاتق الرياضي .


توظيف التهمة محلّ جدل 
ويقول الزميل الصحفي فراس الكافي  أنه لا يظن أن الأمنيين يسعون للتشفي من الرياضيين أو أن لديهم نية واضحة لذلك لكن هذا لا ينفي أن لا أحد فوق القانون والمشكل الأساسي هو الكيل بمكيالين في نفس القضايا مع مواطنين عاديين ومع مواطنين “بدرجة أولى”  وهو في استعمال تهمة “هضم جانب موظف عمومي” ويتم استعمالها في غير مجالها وحتى في مجالها أحيانا وهو ما يصبح بمثابة الاستهداف للرياضيين باعتبار أنها قد نسبت إليهم في بعض الحالات دون وجه حق وبتلفيق واضح.


وهذا الأمر هو الذي يجعل من قضايا هؤلاء الرياضيين المشاهير تجد صدى واسعا لدى الرأي العام خاصة إن كان الرياضي لاعبا للمنتخب الوطني غير أنه يبقى مواطن كغيره، أما على مستوى القضاء فإن الإنصاف ليس دائما مكفولا، وفق قول الكــافي.
ويضيف فراس الكافي بأن التعاطف والمساندة الجماهيرية للرياضيين سواء في الشارع أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي لا تفد الرياضيين في قضاياهم ولم تكن سببا مباشرا في إطلاق سراحهم بل ولا تؤثر في أغلب الأحيان على عكس بعض الحالات التي استفاد فيها فنانون أو سياسيون على سبيل المثال من المساندة الشعبية أو التضامن من الناس.


ويشير الكافي إلى أن الإشكال الأكبر في تهمة “هضم جانب موظف عمومي أثناء القيام بواجبه” تتمثل في مدة الإيقاف دون محاكمة يمكن أن تدوم لمدة طويلة حتى لو كان المتهم بريئا، مشيرا مرة أخرى إلى أن التعاطف لم يشفع لهم خاصة في القضيتين الأخيرتين لكل من صالح الماجري وخاصة أسامة الرميكي وبالتالي فإن سيرورة قضاياهم عادة ما تكون بنفس وتيرة أي قضية لكل مواطن عادي.

آخر الأخبار