19.9 C
تونس
25 نوفمبر، 2024
غير مصنف

أنديتنا تهرب الى أروقة “التاس”: تجسيد للديمقراطية أم انعدام ثقة في الهياكل الرياضية المحلية ؟

الرياضية – هاني ابراهمي


تعددت خلال الأشهر والمواسم القليلة الماضية القضايا الرياضية التي أحيلت على محكمة التحكيم الرياضي الدولية “TAS” من قبل أندية تونسية على غرار هلال الشابة خاصة في الموسم الماضي وأيضا في قضية الموسم الجاري ضد رئيس النادي الإفريقي بعد عدم اقتناعها بقرارات درجات التقاضي المحلية في تونس على غرار الرابطة ولجنة الاستئناف في غياب درجة تقاضي ثالثة في تونس بعد إلغاء “الكناس” منذ سنوات مضت.
فهل أن الإتجاه للتاس هو تجسيد للديمقراطية واجراء عادي أم أنه دليل على الانفراد بالرأي والدكتاتورية الرياضية في تونس ؟ وهل يعتبر هذا الأمر مؤشرا يدل على انعدام الثقة في قرارات الهياكل الرياضية المحلية وهل توجد امكانية لعودة الكناس مستقبلا ؟

اللجوء للتاس عسير والغاء الكناس ورطة


اسئلة يجب عنها المحامي الأستاذ الطيب بالصادق في حديثه مع الرياضية حيث يقول ان الولوج إلى العدالة وتحقيقها يتطلب شروطا واضحة كأن يكون أمرا يسيرا على جميع الأندية وفي متناولهم وهو ما تم تغييبه اليوم فأصبح الوصول للعدالة أمرا صعب المنال بسبب غياب درجة تقاض ثالثة في تونس وبالتالي يضطر أي متظلم سواء كان شخصا معنويا أو ناديا للإتجاه للمحكمة السويسرية (التاس) التي يستوجب اللجوء إليها أموالا طائلة وهو ما يعني منع اللاعبين والمدربين والوكلاء والأندية من الحصول على العدالة بطريقة سهلة فيصبح الأمر عصيا عليهم وهو ما يقلل من اللجوء للعدالة الدولية.

ويصف بالصادق غياب درجة تقاض ثالثة في تونس بعد إلغاء الكناس بـ”الورطة التي وضعت فيها كرة القدم التونسية من قبل وديع الجريء وجماعته”، مضيفا أن التنقيحات التي وقعت على النظام الأساسي للجامعة وقوانين المسابقات قبل سنة 2016 التي أسقطتها الكناس بعد ذلك جعل المكتب الجامعي وبموافقة من الأندية يقرر حل الكناس لتكون التاس الدرجة الأخيرة في التقاضي.
ويؤكد محدثنا أن المدة الزمنية التي تستغرقها المحكمة الرياضية الدولية في اتخاذ القرارات والتكاليف الباهضة للطعن في القرارات لديها يصعّبان اللجوء إليها من قبل الأندية التونسية وهو ما تشير إليه السنوات الفارطة حيث أن عدد الأندية التونسية التي حولت قضاياها للتاس تعد على أصابع اليد خاصة أن بعض الأندية قد لوحت باللجوء للتاس لكنها لم تستطع ذلك فيما بعد بسبب التكاليف المادية، متطرقا لمثال هيئة فريق مستقبل القصرين في وقت سابق عندما دفع 3000 فرنك سويسري معلوم المطلب لكنها لم تواصل بسبب المبالغ الطائلة التي عينتها التاس للبت في قضيته انذاك.


ويشير الطيب بالصادق إلى أن الهياكل الرياضية في تونس تعي جيدا عجز أغلب الأندية اللجوء للتاس وهو ما يجعلها تصدر القرارات حسب أهوائها ورغباتها، بل وتصدر القرارات ولا تعلم به النادي المعني لكي لا يتجه لمحكمة التحكيم الرياضية الدولية بما أن القرار يجب أن يكون محيثا ومعللا ومترجما لكي يتسنى للمتظلم إحالته على الهيكل الدولي.


ويقول الزميل الصحفي حسني الغربي في حديثه للرياضية ان الإتجاه للتاس هو إجراء عادي جدا في ظل القوانين المعمول بها باعتبار أن الأندية التونسية في حد ذاتها وخلال جلسات عامة سابقة صادقت على أن تكون الدرجة الثالثة للتقاضي هي المحكمة الرياضية الدولية وهو ما يعني أن الإنفراد بالرأي والدكتاتورية الرياضية أمر غير مطروح بالمرة خاصة أن الأندية هي نفسها من أرادت هذا التمشي.
ويؤكد الغربي أن تكاليف اللجوء للتاس هي فعلا باهضة وليس بقدرة أي ناد اتباع هذا التمشي لكن الأندية هي سيدة نفسها أن تقترح سواء في الجلسات العامة أو الجلسات الخارقة للعادة تنقيح هذا القانون ويتم ارساء درجة تقاض ثالثة في تونس تجنبا لمشقة الهياكل الدولية، لكن يبقى القانون المعمول به حاليا من صميم قناعات واختيارات الأندية التي أقرت مثل هذا الإجراء.


ويدعم الغربي فرضية اللجواء للتاس بسبب انعدام الثقة في الهياكل الرياضية التونسية حاليا، مبرزا مثال إلغاء الكناس سابقا عندما فقدت ثقة الأندية هي الأخرىن وفق تعبيره، لكنه يوضح أيضا أن الهياكل الرياضية في تونس وعلى رأسها الجامعة لن تعرض أو ترفض اي قرار للتاس والدليل هو قضية هلال الشابة الموسم الفارط عندما أصدرت محكمة التحكيم الرياضية قرارها فيها والتزمت الجامعة بتطبيقه، وهو ما يؤكد أن الجميع راضون بالأمر الواقع حاليا.


ويختتم حسني الغربي حديثه بالإشارة ألى أن الجلسات العامة للأندية هي سيدة نفسها وأن المصادقة على القوانين والتنقيحات ليست لعبة ويجب تحمل المسؤولية كاملة من قبل مسؤولي الأندية في ذلك، وان أرادوا العودة لإرساء درجة تقاض ثالثة في تونس فهو أمر يهمهم، لكن يبدو الأمر مستبعدا على أرض الواقع على الأقل في الوقت الحالي بما أن الأندية راضية بالوضع الحالي وقد اهتزت ثقتها بالهياكل المحلية ولم تبق لها إلا الهياكل الدولية التي ترى أنها تنصفها في أغلب الأحيان وهي ليست “بدعة” في تونس وطالما أن الأندية راضية بقانون اللعبة فـ”هنيئا لهم”.


تكافؤ الفرص ضروري والأندية مسؤولة عن قراراتها 

ومن جهة أخرى يقول المختص في القانون الرياضي أنيس الباجي في تصريحه للرياضية ان اللجوء للتاس هو مجرد إجراء عادي وحق في التقاضي كغيره من المجالات وليس في الرياضة فقط وتحديدا كرة القدم، ويرجع ذلك للخلافات في بعض القرارات الصادرة عن الهياكل المحلية، لكن المشكل الوحيد في هذا الأمر هو العنصر الزمني حيث أن إتخاذ القرار النهائي من التاس يكون متأخرا في أغلب الأحيان(خاصة في ملفات النزول والصعود) مما يجعل من القرار السابق في الاسئناف قد نفذ على أرض الواقع وتجاوزته الأحداث .


ويشدد الباجي على أن الخصومة دائما ما تكون بين طرفين اثنين والأكيد أن طرفا وحيدا سيكون غير راض عن القرارات الصادرة عن الهياكل المحلية وبالتالي فإن طرفا وحيد كذلك سيلتجئ للمحكمة الرياضية الدولية، فالمستفيد من القرار المحلي سيرضى والمتضرر سيعارض ويطعن فيه وهذا لا يوحي بأي دكتاتورية رياضية ومن يدعي ذلك فهو قد مس من استقلالية اللجان القانونية التونسية.
كما يؤكد الباجي على غرار بالصادق والغربي أن اللجوء للتاس ليس في متناول الجميع بسبب التكاليف المالية المرتفعة ولكنه يخلق إشكالا يمثل في تمتع الجمعيات الميسورة ماديا فقط بهذا الحق وهو أمر يخلق تمييزا بين الأندية .


وبالنسبة لعودة الكناس، يقول الباجي انه من الناحية الواقعية من الصعب جدا عودة الكناس كما أن المحامين المختصين في الشأن الرياضي قد تعودوا على الترافع في القضايا لدى التاس كما أن كل المتداخلين في الشأن الكروي في تونس قد تعودوا على ارساء المحكمة الرياضية الدولية كدرجة ثالثة للتقاضي منذ سنوات خلت وهو ما يصعب أكثر العودة إلى الوراء، وكل هذا لا ينفي امكانية عودة الهيكل المحلي لكن شريطة توفر الإرادة الحقيقية وقوة القرار، مؤكدا في الختام ضرورة البحث عن حل مناسب لكي تتمتع جميع الأندية بدرجة ثالثة للتقاضي تكون في متناول الجميع من الناحية المادية مما يضمن تكافؤ الفرص وتحقيق عدالة رياضية للجميع دون استثناء أو تمييز.
ويقول العضو الجامعي السابق بلال الفضيلي حول هذا الموضوع ان الديموقراطية هي مطلب المجموعة وبالتالي عندما تطالب المجموعة بارساء درجة تقاض ثالثة في تونس فسيتحقق الأمر وان اقتصر الطلب على عدد قليل من الأندية فلن يتغير شيء، فجل الأندية قد وافقت في وقت سابق بل ودعمت قانونيا في الجلسات العامة بالغاء الكناس وبالتالي فلن يطلبوا تعوضيها اليوم خاصة أنهم راضون بالتاس كدرجة ثالثة وهو أمر مسلم لديهم ولا جدال فيه.


ويؤكد الفضيلي أن بعض المطالب بإرساء درجة ثالثة للتقاضي في تونس تقتصر فقط على الأندية التي تشعر بالظلم في ملف ما وحينها تتفطن إلى هذا الأمر رغم أن نفس النادي يكون قد وافق في وقت سابق على إلغاء الكناس، وبالتالي فالمجموعة راضية بالواقع الراهن ولا تفكر في تغييره على الأقل في الوقت الحالي.


كما يوضح محدثنا أن الأندية مقتنعة بعدم وجود درجة أخرى بعد الاستئناف في تونس لكنها تغير رأيها في أول احساس بالظلم قد تشعر به أو أي تهديد لمصالحها قد يطالها، فتجد نفسها تفقد الثقة في الهياكل التونسية ولا ترضى إلا بقرار التاس حتى لو كان ضدها ويعود ذلك لانعدام الثقة في قرارات الهياكل التونسية في تلك لقضية، مشيرا إلى أنه حتى في حالة عودة الكناس فسيجرّحون فيها كما يحصل حاليا مع الهياكل المحلية .


كما يضيف العضو الجامعي السابق أنه حتى في صورة ارساء درجة ثالثة للتقاضي في تونس فان قراراتها لن تعجب الأندية وستعود للتظلم وتذهب للتاس فيما بعد، ويعود ذلك لـ “ثقافة التظلم” لدى الأندية التونسية وفي كرتنا بصفة عامة، فحتى في المباريات على أرضية الميدان، عندما ينهزم فريق معين يلقي اللوم على الحكم الذي يعتبره ظالما، وان خسرت قضية في المحكمة تتهم لقاضي بالظلم.. وهكذا تسير الامور التي لت تقف عند هذا الحد لأن هذه الثقافة مترسخة لدى كل المتداخلين في الأندية الرياضية ولهذه الاسباب فان قرارات التاس هي الوحيدة التي ترضي النوادي.


ويختتم الفضيلي حديثه بالاشارة إلى أن الأندية هي التي ألغت وجود الكناس ولم تطلب إلى حد اللحظة عودتها وبالتالي فإن القرار النهائي بيد الأندية وهي راضية بالواقع الحالي وتعتبره شأنا داخليا يهمها هي فقط، بل أنها لم تقترح في أي من الجلسات العامة السابقة العودة للكناس وبالتالي فالجميع أو على الأقل الأغلبية راضون بالواقع الحالي.

آخر الأخبار