38 C
تونس
27 أغسطس، 2025
اخبار متفرقة

حين يسافر الأبطال بلا مرافقين بطولة عالمية تكشف تقصير من جامعة السباحة 

في زمن تُقاس فيه الدول بقيمة من تمثلها في المحافل الدولية، وفي لحظة كان يفترض أن تكون احتفالية بإنجازات شباب تونس في السباحة، تحوّلت المشاركة التونسية في بطولة العالم للسباحة في رومانيا (19–24 أوت 2025) إلى مشهد عبثي، يكشف حجم الإهمال والتقصير الإداري، ويطرح أسئلة موجعة حول من يدير الرياضة في تونس، ومن يحرس كرامة الأبطال.

وفد بلا مرافقين… وسباحون بلا حماية

و يذكر أن خمسة سباحين تأهلوا لتمثيل تونس في هذا الحدث العالمي، أربعة منهم ينشطون خارج البلاد: محمد ياسين المزوغي، سليمة حميد، كنزة العجيمي، شاهينا المرزوقي. أما الخامس، يوسف دومه، فكان على وشك خسارة مشاركته بسبب تأخر حصوله على التأشيرة، نتيجة تقصير إداري فادح من جامعة السباحة التونسية. لم يكن التأخير بسبب ضعف في الأداء أو نقص في الجدارة، بل بسبب سوء إدارة لا تعرف معنى الآجال ولا تحترم قيمة الفرصة.

ورغم أن المرشح الأبرز للتتويج، رامي الرحموني، غاب للإصابة، فإن المشاركة كانت فرصة ثمينة لاكتساب الخبرة، لكن الجامعة كادت تحرم يوسف دومه منها، لولا تدخل اللجنة الأولمبية في اللحظات الأخيرة.

بطولة عالمية… بلا إطار رسمي

الأمر لم يتوقف عند التأشيرة. الوفد وصل إلى رومانيا بلا أي إطار رسمي، لا مدرب، لا طبيب، لا مسؤول إداري. سباحون في عمر الزهور، يُسافرون بمفردهم إلى بطولة عالمية، في مشهد يفتقد لأبسط قواعد الرعاية والتمثيل الرسمي. لا زي وطني، لا علم، لا تنظيم… فقط إرادة فردية تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

وهنا يظهر وجه تونس الحقيقي، لا في الإدارات، بل في أبنائها المدرب التونسي السابق، أسامة الرباعي، الذي يشرف اليوم على منتخب رومانيا، تدخل بحس وطني نبيل، واستقبل الوفد، وأشرف على تدريبهم، بل ساعد حتى في تأمين شارة الدخول للمرافقة.

علم مرسوم على ورقة… وكرامة تُرسم من جديد

و في استفسارنا و حسب معلوماتنا الخاصة، نعلم أن والدة السباح إلياس المزوغي، الدكتورة نورس البدوي، رافقت السباحين المقيمين بفرنسا إلى رومانيا تطوعًا منها. لم تجد علم تونس، فرسمته بيديها على ورقة حمراء، ووضعت عليها نجمة وهلالًا، كي لا يمر أبناؤنا دون هوية وسط وفود العالم.

هذا المشهد ليس رمزيًا فقط، بل هو صفعة على وجه كل مسؤول أهمل، وكل إدارة تواطأت بالصمت أو بالتقصير. أن يسافر وفد رياضي بلا علم، بلا زي، بلا دعم… فذلك ليس مجرد خطأ، بل انهيار أخلاقي وإداري.

أسماء صنعت المجد… وإدارة تُهين الذاكرة

ما حدث في رومانيا لا يمكن فصله عن تاريخ تونس الذهبي في السباحة. كأننا نسينا أسامة الملولي، الأسطورة الأولمبية. كأننا تناسينا أحمد الجوادي، الذي أهدى تونس ذهبية قبل أيام في سنغافورة. كأننا بلا الحفناوي، الظاهرة العالمية. كأننا بلا علي الغربي، ولا مريم ميزوني، ولا فاتن غطاس، وسندة غربي، وسمير بوشلاغم، وسارة لجنف، وأشواق بوعرقوب… وبلا جبران الطويلي، الذي وصل إلى العالمية في التدريب.

هؤلاء ليسوا مجرد أسماء، بل ذاكرة وطنية، وأصوات في الماء تروي قصة كرامة. أن يُهان هذا التاريخ بهذا الشكل، فذلك لا يُغتفر.

و في تحيين ثانٍ، يتضح أن الخلل لا يكمن فقط في الهيئة التسييرية، التي اجتهدت قدر الإمكان، بل في ما يُعرف بـ”الإدارة العميقة” داخل الجامعة، تلك التي تُعطل وتُعرقل وتُقرر من وراء الستار. هذا الخطر لا يهدد فقط المشاركات الدولية، بل ينسف كل جهود الإصلاح، ويُفرغ الرياضة من معناها الوطني.

الإدارة العميقة لا تُحاسب، ولا تُراقب، ولا تظهر في الصورة، لكنها تتحكم في كل شيء. وهي اليوم تُعيق عمل جامعة السباحة، وتُفرغها من روحها، وتُحولها إلى هيكل بلا نبض.

من المسؤول؟

من المسؤول عن هذه المهزلة؟ من سمح بسفر قُصّر بلا مرافقين؟ من أهمل تجهيزاتهم؟ من نسي العلم؟ من تجاهل الإجراءات؟ من لم يُتابع التأشيرات؟ من لم يُنسق مع اللجنة الأولمبية؟ من لم يُحضر إطارًا فنيًا أو طبيًا؟ من لم يُخطط؟ من لم يحترم الدولة التونسية وتاريخها المجيد؟

فالأسئلة كثيرة، والإجابات غائبة. لكن ما هو حاضر هو الغضب، والحزن، والدهشة. وما هو مطلوب هو التحقيق، والمحاسبة، والتغيير.

و نطالب وزارة الرياضة وأجهزتها الرقابية بفتح تحقيق عاجل، ومحاسبة كل من تسبب في هذا الإهمال، والتعجيل بإجراء انتخابات جديدة لجامعة السباحة، تعيد الاعتبار للكفاءة والكرامة.

هؤلاء السباحون قُصر، وأبطال، ويستحقون أن يُعاملوا بما يليق بتاريخ تونس الذهبي في السباحة، الذي صنعه أسامة الملولي، والحفناوي، وعلي الغربي، ومريم ميزوني، وفاتن غطاس، وسندة غربي، وسمير بوشلاغم، وسارة لجنف، وأشواق بوعرقوب، وجبران الطويلي… وغيرهم ممن لم تُذكر أسماؤهم، لكنهم حاضرون في ذاكرة المجد.

تونس التي لا تُهان

تونس ليست إدارات، بل رجال ونساء يُنقذون الموقف كل مرة. من أسامة الرباعي الذي تدخّل في رومانيا، إلى نورس البدوي التي رسمت العلم، إلى كل من حمل اسم تونس في قلبه قبل أن يحمله على صدره.

تونس لا تُهان، لكنها تُستنزف. وتونس لا تُنسى، لكنها تُهمّش. وتونس لا تموت، لكنها تُجرح. وما حدث في رومانيا هو جرح، لكنه ليس النهاية.

وللحديث بقية… فالخائفون من الحقيقة نقول لهم: نورها أقوى من كل محاولاتكم. وتونس، رغم كل شيء، لا تزال تنجب من يرفع رايتها، ولو بورقة مرسومة يدويًا.

آخر الأخبار