تستعد الجماهير التونسية غدًا السبت 9 أوت 2025 لانطلاق بطولة الرابطة المحترفة الأولى لكرة القدم، في موسم يُنتظر أن يكون استثنائيًا على أكثر من صعيد. النسخة 71 من البطولة الوطنية تنطلق وسط ترقب كبير، وتطلعات متزايدة من الأندية والجماهير، في ظل تركيبة جديدة للفرق، وتحديات تنظيمية ورياضية متجددة، أبرزها ملف التحكيم، والبنية التحتية، والعدالة التنافسية.
تركيبة البطولة… تنوع جغرافي وتفاوت في الإمكانيات
يشارك في البطولة هذا الموسم 16 فريقًا، تمثل مختلف جهات البلاد، وتجمع بين أندية ذات تاريخ عريق وأخرى صاعدة حديثًا. من العاصمة إلى الجنوب، ومن الساحل إلى الشمال الغربي، تتوزع الفرق على خارطة كروية تعكس التنوع الجغرافي، لكنها تكشف أيضًا عن تفاوت واضح في الإمكانيات المادية والبشرية.
الفرق المشاركة هي: الترجي الرياضي التونسي، النادي الإفريقي، النجم الساحلي، النادي الصفاقسي، الاتحاد المنستيري، الملعب التونسي، الأولمبي الباجي، اتحاد بنقردان، نجم المتلوي، النادي البنزرتي، مستقبل سليمان، مستقبل قابس، مستقبل المرسى، ترجي جرجيس، شبيبة القيروان، وشبيبة العمران.
و هذا التنوع يضفي على البطولة طابعًا خاصًا، لكنه يطرح أيضًا تحديات تتعلق بالبنية التحتية، وتكافؤ الفرص، وتوزيع الموارد، خاصة أن بعض الفرق لا تزال تعاني من ضعف الملاعب، وقلة الدعم المالي، وغياب الاستقرار الإداري.
الجولة الأولى… بداية ساخنة
برنامج الجولة الأولى يشهد مواجهات قوية، أبرزها:
الاتحاد المنستيري – الملعب التونسي
النادي الإفريقي – مستقبل المرسى
مستقبل قابس – الترجي الرياضي التونسي
اتحاد بنقردان – الأولمبي الباجي
نجم المتلوي – النادي البنزرتي
شبيبة القيروان – مستقبل سليمان
النادي الصفاقسي – ترجي جرجيس
شبيبة العمران – النجم الساحلي
هذه المباريات تمثل اختبارًا مبكرًا للجاهزية البدنية والفنية، خاصة للفرق التي قامت بتغييرات على مستوى الإطار الفني أو التركيبة البشرية خلال فترة التحضيرات. كما أنها تمنح الجماهير فرصة أولى لمعاينة مستوى فرقهم، ومدى استعدادها للمنافسة.
التحكيم… ملف ثقيل ينتظر الحسم
و من أبرز الملفات التي تثير الجدل في كل موسم، ملف التحكيم. الجماهير والأندية تطالب منذ سنوات بإصلاحات جذرية في هذا القطاع، تشمل تحسين التكوين الفني للحكام و تفعيل تقنية الفيديو بشكل منتظم وعادل مع ضمان استقلالية لجنة التحكيم و تعزيز الشفافية في التعيينات والمراقبة
الجامعة التونسية لكرة القدم أعلنت في أكثر من مناسبة عن نيتها تطوير منظومة التحكيم، لكن التطبيق على أرض الواقع لا يزال يواجه عراقيل، منها ضعف الإمكانيات، وتردد بعض الأطراف في تبني التغيير. الموسم الماضي شهد عدة احتجاجات من الأندية بسبب قرارات تحكيمية مثيرة للجدل، وهو ما زاد من الضغط على اللجنة الفيدرالية للتحكيم.
فالتحكيم ليس مجرد تفاصيل فنية، بل هو عنصر أساسي في مصداقية البطولة، وفي الحفاظ على التوازن بين الفرق. أخطاء التحكيم، إذا تكررت، قد تؤثر على ترتيب الفرق، وتغذي الاحتقان الجماهيري، وتضعف صورة البطولة داخليًا وخارجيًا.
إصلاحات مطلوبة في المنظومة الكروية
إلى جانب التحكيم، هناك حاجة ملحة لإصلاحات هيكلية تشمل مراجعة نظام البطولة لضمان الاستقرار ، تحسين ظروف الملاعب، خاصة في الجهات الداخلية و دعم الأندية ماليًا وتنظيميًا مع تعزيز دور الفئات الشابة والتكوين القاعدي و تطوير الإعلام الرياضي والتواصل بين الجامعة والجمهور
و هذه الإصلاحات لا يمكن أن تكون ظرفية، بل يجب أن تكون جزءًا من رؤية استراتيجية طويلة المدى، تُشرك فيها كل الأطراف: الجامعة، الأندية، الإعلام، والجمهور. فالبطولة ليست مجرد مباريات، بل هي منظومة متكاملة تحتاج إلى تحديث شامل.
الرزنامة الرسمية…الانتظام مطلوب
وفقًا للرزنامة الرسمية التي نشرتها الجامعة التونسية لكرة القدم، تنطلق مرحلة الذهاب يوم 9 أوت، وتستمر حتى نهاية نوفمبر، على أن تبدأ مرحلة الإياب بعد خمسة أيام من نهاية مشاركة المنتخب التونسي في كأس إفريقيا المغرب 2026. هذا التنظيم يُعد خطوة إيجابية نحو احترام المواعيد، لكنه يبقى رهينًا بمدى التزام الأندية والجامعة بتفادي التأجيلات، وضمان جاهزية الملاعب.
الجماهير… نبض البطولة
و رغم كل التحديات، يظل الجمهور التونسي عنصرًا أساسيًا في نجاح البطولة. الحضور الجماهيري، التفاعل على وسائل التواصل، والضغط الإيجابي على الفرق، كلها عوامل تجعل من الرابطة المحترفة الأولى أكثر من مجرد منافسة رياضية، بل حدثًا اجتماعيًا وثقافيًا.
الجماهير تنتظر موسمًا نظيفًا، تنافسيًا، خاليًا من التجاوزات، ومليئًا بالمفاجآت. وهي مستعدة لدعم فرقها، بشرط أن تجد في البطولة ما يستحق المتابعة.
الأندية… بين الطموح والضغط
الفرق الكبرى تدخل الموسم الجديد بطموحات واضحة الحفاظ على اللقب، أو استعادته، أو العودة إلى المنافسة القارية. أما الفرق الصاعدة، فهي تبحث عن إثبات الذات، وتفادي الهبوط، وبناء مشروع رياضي مستدام.
و لكن هذه الطموحات تصطدم بواقع اقتصادي صعب، حيث تعاني أغلب الأندية من مشاكل مالية، وتأخر في صرف المنح، وغياب الاستثمارات. وهو ما يجعل من الموسم الجديد اختبارًا حقيقيًا لقدرة الفرق على التسيير، والتخطيط، والتأقلم.
بطولة الرابطة المحترفة الأولى لكرة القدم تنطلق غدًا، وسط آمال كبيرة، وتحديات أكبر. هي فرصة لإعادة الاعتبار للكرة التونسية، ولإثبات أن الإصلاح ممكن، وأن النجاح لا يأتي فقط من الأقدام، بل من التنظيم، والشفافية، والعدالة.
الأنظار تتجه إلى الملاعب، لكن القلوب تنتظر بطولة ترتقي إلى مستوى الحلم، وتُعيد للجمهور ثقته في اللعبة التي يحبها.