بينما نفتخر ذات يوم بتاريخ رياضي حافل وإنجازات بارزة في بلادنا، تكمن خلف هذا المجد أزمة متفاقمة تهدد استمرار تطور القطاع الرياضي. البنية التحتية الرياضية، وتحديدًا الملاعب، تمثل اليوم أحد أهم العقبات التي تعيق تقدم الرياضة التونسية وإبرازها على المستوى الدولي. هذا الواقع يجعلنا نطرح تساؤلات جوهرية حول أسباب هذا التدهور وآثاره وكيفية تجاوزه.
التخطيط الاستراتيجي: الركيزة الغائبة
تعاني رياضتنا من غياب رؤية استراتيجية شاملة لتطوير البنية التحتية الرياضية. الملاعب الموجودة حاليًا بُني معظمها منذ عقود ولم تُخضع للصيانة الكافية. مثال على ذلك “ملعب رادس الأولمبي”، الذي كان يُعتبر أيقونة رياضية عند افتتاحه ولكنه اليوم يعاني من مشاكل هيكلية خطيرة، أبرزها التهالك في منطقة “المنعرج الشمالي”، مما يهدد سلامة الجماهير ويُثير المخاوف بشأن استمرارية استخدامه.
و عدم وجود خطط طويلة المدى للصيانة الدورية يزيد من تفاقم الوضع. بدلاً من أن تكون هذه المنشآت جاهزة لاستقبال الأحداث الدولية، أصبحت تُشكّل عائقًا أمام تقديم تونس نفسها كوجهة رياضية عالمية.
واقع مؤلم للملاعب
ملاعب كرة القدم تعكس التحدي الأكبر، فهي تفتقر إلى الأساسيات مثل الإضاءة الكافية، المقاعد المريحة، وغرف تبديل الملابس اللائقة، عشب صالح ، مدارج…على سبيل المثال ملعب المنزه و على الرغم من قيمته التاريخية، أصبح في حالة يُرثى لها بسبب إهماله لسنوات عديدة و بعد هدمه بالكامل في انتظار اعادة تهيئته و باقي الملاعب التي تعاني من نقص التجهيزات الكافية ومن سوء إدارة يجعلها بعيدة عن المعايير الدولية.
تهالك هذه الملاعب لا يقتصر على الإضرار بسمعة تونس، بل يمتد أيضًا ليؤثر على اللاعبين والجماهير الذين يشعرون بالإحباط بسبب سوء الظروف.
و أحد الجوانب المهملة عند الحديث عن البنية التحتية الرياضية هو ما يحيط بالملاعب من منشآت وخدمات مساندة. على سبيل المثال النقل العام غير كاف يجعل الوصول إلى الملاعب صعبًا للجماهير ، هذه الجوانب تُظهر أن الأزمة لا تتعلق فقط بالملاعب، بل تمتد إلى منظومة متكاملة يجب تطويرها لضمان تجربة رياضية ممتعة وآمنة.
ازمة مالية تلقي بظلالها على الرياضة
الأزمة المالية التي تواجهها تونس تُلقي بظلالها الثقيلة على قطاع الرياضة. فتطوير البنية التحتية يتطلب استثمارات ضخمة، وهو ما يجعل الحكومة تواجه تحديًا مزدوجًا: كيف تُوازن بين احتياجات الرياضة والقطاعات الأخرى؟
و الاعتماد فقط على التمويل الحكومي يظل محدودًا وغير كافٍ لتطوير الملاعب بشكل شامل. هذا الوضع يتطلب البحث عن حلول مبتكرة للتمويل مثل الشراكات بين القطاعين العام والخاص حيث يمكن للحكومة التعاون مع شركات خاصة لبناء أو إدارة الملاعب أو تمويل عبر الرعاية والإعلانات بيع حقوق تسمية الملاعب لشركات تجارية كبرى قد يُشكل مصدرًا مهمًا للتمويل.
تجارب ملهمة من دول أخرى
يمكننا في تونس أن نتعلم الكثير من تجارب دول أخرى نجحت في تطوير بنيتها التحتية الرياضية رغم التحديات فالمغرب بلد قريب منا استثمر في بناء ملاعب حديثة مثل “ملعب طنجة الكبير” و”مراكش”، معتمدا على شراكات مبتكرة بين الحكومة والقطاع الخاص ، جنوب أفريقيا اعتمدت على قروض ميسرة من البنك الدولي لتطوير ملاعب كأس العالم 2010، مما حقق عوائد اقتصادية كبيرة، تركيا قامت بتطوير ملاعبها من خلال عقود شراكة طويلة الأجل مع شركات بناء كبرى مقابل منح حقوق التسمية والإعلانات.
و لعل هذه التجارب تُظهر أن الإرادة السياسية والابتكار في التمويل يمكن أن يُغيّرا المعادلة لصالح تحسين البنية التحتية.
الخلل في الابتكار
بالنظر إلى الواقع الرياضي في تونس ، يتضح أن الأزمة ليست فقط نتيجة غياب التمويل، بل أيضًا نتيجة غياب الإرادة والرؤية الاستراتيجية فالملاعب ليست مجرد منشآت رياضية، بل هي رمز يعكس توجه الدولة نحو تطوير الرياضة ودورها كأداة تنمية اقتصادية واجتماعية.
و لا يختلف اثنان أن نقاط الضعف تشمل ،غياب التنسيق بين الجهات المعنية من بلديات و نواد مع إهمال دور الرياضة في جذب الاستثمارات الخارجية إلى جانب ضعف التخطيط طويل المدى وإهمال صيانة المنشآت و لحل أزمة البنية التحتية الرياضية، نحتاج إلى اتخاذ خطوات جريئة وشاملة حيث يجب أن تكون الرياضة أولوية وطنية تُترجم إلى مشاريع ملموسة من خلال استقطاب الدعم المالي والفني من المؤسسات الدولية و عبر شراكات استراتيجية لضمان استدامة المشاريع مع وضع خطط منتظمة لصيانة الملاعب القائمة وتجهيزها للمعايير الدولية.
إن أزمة البنية التحتية الرياضية في تونس ليست مجرد تحدٍ، بل فرصة لإحداث تحول جذري في طريقة إدارة الرياضة وتنظيم المنشآت. إذا ما تم استثمار هذه الفرصة بحكمة، يمكن لتونس أن تستعيد مكانتها كوجهة رياضية رائدة في القارة الأفريقية.