جريدة الرّياضية – وصال الكلاعي
تترقّب عيون الشارع الرّياضي التّونسي مشاركة منتخبنا الوطني التونسي في نهائيات كأس إفريقيا للأمم، في الكوت ديفوار في شهر جانفي الجاري، للمرّة الحادية والعشرين في تاريخه والسّادسة عشرة على التوالي.
ويحلم الجمهور التونسي بتوشيح قميص نسور قرطاج بنجمة ذهبية ثانية فوق شعار المنتخب بعد عشرين عامًا بالتمام والكمال على التتويج القارّي الوحيد الّذي عانقته تونس عام 2004.
اخترنا في هذا العدد محاورة رمزًا من رموز الجيل الذّهبي للمنتخب الّذي أحرز لتونس الذهب.
راضي الجعايدي هي الشخصية الّتي حاورناها هذا الأسبوع للحديث عن مسيرته التدريبيّة إلى حدّ الآن وعن التوقعات من المشاركة القاريّة المنتظرة لمنتخبنا الوطني التونسي بصفته قائدًا سابقًا للمنتخب في كان 2004، نسخة التّتويج، وبصفته مدرّبًا تونسيًّا ينحت مسيرته بخطًّى ثابتة في عالم التدريب على الأراضي الأوروبية، حاليًّا.
- كيف تقيّم الأجواء التدريبية في بلجيكيا مقارنة بالّتي عشتها في تونس؟
لا مجال للمقارنة بين البطولة التونسية والبطولة البلجيكية. الأكيد أنّ الأجواء أوروبية هنا. مستوى كرة القدم أعلى بكثير من مستوى الكرة في إفريقيا عامّة وشمالها خاصّة. البطولة البلجيكية في نسق متطور من سنة إلى أخرى. ومن ناحية التصنيف وصلت إلى المرتبة الخامسة على المستوى الأوروبي. وهو ما يؤكد مدى تقدّم مستوى الفرق واللاّعبين النّاشطين في الدّوري البلجيكي. بل إنّ الأندية البلجيكية أصبحت تزود الأندية الكبرى من إنقلترا وألمانيا وفرنسا باللاّعبين. وبالنّسبة لسيركل بروج، أين أعمل، فيملكه مالك فريق موناكو الفرنسي نفسه. لذلك نجد تعاونا كبيرًا بين الفريقين على غرار تبادل اللّاعبين. أما بالنسبة لدوري في الفريق، فمهمتي بصفتي مدربًا مساعدا يُوكَل إليّ الدّفاع والتّحولات الدفاعية. وأيضا العمل على تطوير اللّاعبين القادمين من موناكو إلى الدّوري البلجيكي. وبالإضافة إلى ذلك أضع خبرتي على ذمّة الفريق من أجل وضع استراتيجيات لتطوير وتخطيط المستقبل.
ويبقى أكبر طموحاتي أن أكون مدرّبًا أوّلاً. وكما يعلم جميعنا، ليس من السّهل أن تتسنى الفرصة لعربي أو شمال إفريقي هنا. لكن أنا تونسي أحمل الرّاية التونسية دون غيرها وسأحاول أن أصل بها إلى أعلى المستويات في أوروبا، في انتظار الفرصة السانحة لأكون مدرّبًا أوّلاً حتى إن كان ذلك خارج القارّة العجوز.
- هل يعود راضي الجعايدي المدرّب إلى تونس؟
بالنسبة لي هذا سؤال شخصي ولا يمكن الإجابة عنه، مادامت الفرصة ليست موجودة ولم يتصل بي أحد. فتجربة الترجي الرّياضي التونسي، كلّما فكّرت فيها مليًّا، أجدها شخصيا تجربة إيجابية. ولكن لم أتمكّن من تحقيق أهدافي الخاصّة التي رسمتها مع الفريق. ولِمَ لا؟! قد أعود إلى الترجي يوما ما، في المستقبل وليس في الوقت الرّاهن، وقد أكون مدرّبا لمنتخبنا الوطني التونسي، أيضًا. فتلك من طموحات كلّ مدرّب تونسي كان من يكون. ففخر لكلّ مدرّب أي يكون على رأس الإطار الفني لفريق كبير على غرار الترجي الرياضي التونسي أو المنتخب الوطني التونسي، على حد السواء.
- لابدّ أنّك تتابع الوضع في الترجّي الرّياضي التّونسي؟ هل ترى أنّ مدرّبي الترجّي في المدّة الأخيرة، ومنهم راضي الجعايدي، كانوا ضحيّة الضّغط الجماهيري؟
دون تعليق.. أريد فقط أن أقول أنّ طارق ثابت زميلي وأحترمه جدًّا عندما كان لاعبًا وعندما صار مدربًا. ولَسْتُ وحدي من يحترمه. فجمهور الترجّي الرّياضي التّونسي يحترمه جدًّا وكذلك الجماهير التونسية قاطبة. ونأمل أن نراه متألقا في أعلى المستويات على الدّوام.
- يُقبِل المنتخب الوطني التونسي على مسابقة كأس أمم إفريقيا، ما هو رأيك في القائمة المدعوة لخوض هذا المعترك القارّي؟
قائمة المنتخب لكأس أمم إفريقيا محترمة ومتوازنة عموما. لكن المفاجأة الوحيدة في نظري هي عدم تواجد حنبعل المجبري مع المجموعة. فحتى إن كان اللّاعب يمرّ بوضع صعب على المستوى الشّخصي حضوره في القائمة كان منتظرًا، لو وُجهت له الدعوة، طبعًا. لكن أتفهمه إن كانت حالته النفسية ليست كما ينبغي عليها أن تكون.. وإن غياب الظّهير الأيمن محمد دراغر من شأنه أن يقلّل من الخيارات المتاحة للمدرب. وأرى أن وجود حسام تقا من بين اللاّعبين الناشطين في البطولة المحلية، هام للغاية. لأنه بصدد تقديم أداءً محترما وكبيرا جدًّا جدًّا مع الترجي الرياضي التونسي. وتُعد هذه الدّعوة فرصة له من أجل الظّهور في مستوى أعلى من ذلك الّذي في الرّابطة المحترفة الأولى التونسية. وأشيد كذلك بوجود لاعبين من خرّيجي الرابطة المحترفة الأولى التونسية، على غرار محمد علي بن رمضان، الّذي درّبته شخصيا، وعاينت تحسّن مستواه الملحوظ. وإن تجربته الحالية في أوروبا، تحديدا في الدوري المجري، تعطيه دافعا كبيرا نحو التّطور. ووجوده ضمن القائمة يجعلنا ننتظر منه الكثير، لكن دون أن نسلط عليه ضغطا سلبيًّا. ونرجو من اللّاعبين الحاضرين كلّهم أن يقدموا المردود المطلوب منهم بل أكثر. ونخصّ بالذكر أصحاب الخبرة في المنتخب على غرار يوسف المساكني ونعيم السليتي، منتصر الطالبي وياسين مرياح وعلي معلول في الخطّ الخلفي، وكذلك إلياس السخيري وعيسى العيدوني في وسط الميدان. ففي مثل هاته التظاهرات الكروية يصبح للّاعبين ذوي الخبرة وذوي الشخصية القويّة فوق الملعب دورا كبيرا في الفريق، لمساعدة المجموعة سيما في أوقات الضعف. بل حتى في تنظيم المجموعة في حجرات الملابس، أدوارهم كبيرة.
- حسب رأيك، هل ظُلِم الحارس أمان الله ممّيش بعدم دعوته؟
لكلّ مدرب أولوياته، أفكاره ونظرته الخاصّة للفريق. اللّاعبين الغائبين عن هذه القائمة جميعهم يمكنهم الحضور في قوائم واستحقاقات قادمة للمنتخب. حسب رأيي، يجب التركيز على الحاضرين الآن وتشجيعهم إلى آخر رمق. وبتوفيق من الله نأمل أن نرى المنتخب التونسي يصل إلى أبعد ما يكون في مسابقة كأس إفريقيا للأمم.
- إلى أيّ مدى يمكن أن يصل منتخبنا الوطني التونسي في الكان، سيما أنّ الشّعب التّونسي يطمح إلى تتويج ثانٍ؟
الطموح شيء والواقع شيء آخر. صحيح أن طموح الشعب التونسي كله هو التّتويج باللّقب، لكن يجب أن نكون واقعيين. فكرة القدم في إفريقيا تطورت بشكل كبير. وهذه الدّورة تضم منتخبات كبيرة ولها تقاليدها في البطولة، “الكلهم في فورمة والكلهم يحبوا يربحوا ويتوجوا باللّقب”.. بداية من مجموعتنا الّتي تضمّ كل من منتخب جنوب إفريقيا، مالي وناميبيا. الكرة الإفريقية تحسّنت بشكل ملحوظ، وكلّ الفرق تطمع في الوصول إلى أدوار متقدّمة في البطولة المقبلة. ونحن تونس. يجب خوض كل مباراة على حدة. ففي النّسخة الفارطة كان تأهّلنا رهين المباراة الأخيرة من المجموعات. ولعبنا ضد نيجيريا ولم تكن المباراتان الأولتان اللّتان قدمّها منتخبنا جيّدتان من ناحية الأداء، إلاّ أنّنا ترشّحنا. وهو ما يحتّم علينا أن نكون واقعيين. لا لأن منتخبنا ضعيف، وإنما لتطور مستوى بقية المنتخبات الأخرى الّتي ستدافع هي أيضًا عن حظوظها بكل ما أوتيت من قوّة. يجب أن ندرك السّبيل نحو التصرّف في كل المباريات. كما يجب أن يكون هناك تفاهما وانسجاما بين اللّاعبين وكذلك بين كل مكوّنات الإطار الفني. حتى نتمكن من ترجَمة الأفكار الموجودة في الأذهان على الميدان بالشكل المطلوب. وحتى نرى منتخبنا التونسي يلعب بهويته المعهودة. والله ولي التوفيق.
- هل من رسالة تستوحيها من نسخة 2004، عام التّتويج الّذي كنت أحد قادته ورموزه، توجّهها للجيل الحالي للمنتخب؟
قبل أن يكون مفتاح النّجاح على الميدان، هو خارجه. بمعنى أنّه يجب أن تتجلّى الرّوح الجماعية للفريق حتى في النّزل وفي جميع الأماكن خارج الملعب. من الضروري أن تكون العلاقة بين جميع أفراد المجموعة الوطنية وطيدة ومنسجمة وواضحة من أجل تحقيق هدف الفريق وليس الأهداف الخاصّة للأفراد. ويجب إدراك السبيل نحو التأقلم مع أجواء إفريقيا جنوب الصحراء. الحديث هنا عن الكوت ديفوار بصفة خاصة. فقد كان لي شرف الحضور في مراسم سحب القرعة وعاينت الأجواء عن كثب. وحسب رأيي هي أجواء وظروف متناقضة نوعا ما. فيمكن أن تكون ذات مستوًى عالٍ جدًّا من ناحية الخِدمات وجودة الملاعب ويمكن أن تكون ذات مستوًى متدنٍ في آن واحد. لذلك يجب على اللّاعبين أن يتأهّبوا ذهنيا لهذا التناقض الّذي قد يرونه في الكوت ديفوار. صفوة القول إذًا، الروح الجماعية، الجاهزية النفسية والذهنية، العلاقة بين اللّاعبين هي مفتاح النجاح، وبعد ذلك تأتي الفنيّات والرّسوم التّكتيكيّة للّعب على الميدان. وفوق الرّقعة الخضراء، يجب علينا الدّفاع بشراسة عن حظوظنا إلى غاية الدقيقة، بل الثّانية الأخيرة. ففضلا عن الفنّيات والتكتيك والاستراتيجيات “فمّا الڨليب“.
وختم المدرّب وقائد المنتخب السّابق راضي الجعايدي كلامه معنا، وقال: “ربي معاهم.. نعرف الجوارات التوانسة وقت تبمبي الكورة نلقاوهم”.