الرّياضية – أميمة الجبالي
“رمي المقذوفات بشتّى أنواعها من جماهير الفريق المحلّي ، و أعلمكم بأنّه أثناء الخروج من الميدان ، إرتطمت كرة على الأرض و إرتدّت على صدري دون أن تتسبّب لي في ضرر” عبارات دوّنها الحكم هيثم القصعي عقب إدارة مواجهة التّرجي الرّياضي التّونسي و إتّحاد بن قردان يوم الخميس 1 جوان لحساب الجولة الثّامنة من مرحلة التتويج ضمن الرّابطة المحترفة الأولى لكرة القدمو التّي ترجمت قطرةً من فيض يشمل إنتشار ظاهرة الإعتداءات المتواصلة على الحكّام.
مواجهة شهدت أجواء مشحونة منذ صافرة بداية اللّقاء وتكرّرت خلالها الإعتداءات اللّفظيّة و الجسديّة على الطّاقم التحكيمي سواء من لاعبي الفريقين أو من طرف الجماهير المحليّة ، حادثة ليست الاولى من نوعها إذ تتكرّر الإعتداءات على الحكّام في تونس و خاصّة في السّنوات الأخيرة و التّي أصبحت حتى تطال الحكّام الأجانب الذّين يديرون مواجهات من الرّابطة المحترفة الأولى.
تهديدات و إعتداءات جسديّة و لفظيّة
أصبحت الجامعة التّونسية لكرة القدم في السّنوات الأخيرة تعتمد قرار تعيين حكّام أجانب لبعض المواجهات كالدّربي و الكلاسيكو و غيرها ( ولم يعد تعيين حكّام أجانب حكرا على كرة القدم فقط ، بل أصبحت كل من جامعة كرة اليد و كرة السلّة تعيّن طاقم تحكيم أجنبي لإجارة بعض المباريات النّهائية في سباقي البطولة و الكأس) ، و يكون هذا القرار عادة إمّا بطلب من الفرق أو قرار فرديّ من الجامعة لتجنّب كلّ التأويلات و الإبتعاد عن الشّبهات التي تلاحق الحكام المحلييّن وأدائهم ، هذه الخطوة لئن كانت تمثّل سعي الجامعة نحو ضمان حقوق كل الفرق التّونسية إلاّ أنها دعّمت ضمنيّا أزمة الثّقة بين الجماهير و الحكّام لتجدّد المناوشات في كلّ مقابلة و التي تشمل بدورها الإعتداءات الجسديّة و اللّفظية.
مواجهة التّرجي الريّاضي و إتّحاد بن قردان الأخيرة لحساب الجولة الثامنة من مرحلة التتويج كانت شاهدة على جملة من الإحتدامات بين اللاعبين و الحكم هيثم القصعي بسبب تقطّع اللّعب ما شنّج جماهير الأحمر و الأصفر التي إعتدت على الطاقم التّحكيمي بالمقذوفات.
في نفس الأسبوع و تحديدا ملعب بوجمعة الكميتي هو الآخر كان مسرحا لأحداث مؤسفة تخلّلت مباراة الأولمبي الباجي و النّادي الإفريقي لحساب نفس الجولة من مرحلة التّتويج يوم الإربعاء 31 ماي 2023 ، الإعتداءات على الطّاقم التّحكيمي بقيادة يسري بوعلي لم تكن من طرف الجماهير “الباجيّة” فقط، بل إنطلقت قبل صافرة البداية على حافّة الميدان بين رئيس النّادي الإفريقي يوسف العلمي والحكم يسري بوعلي ما خلق نوعا من الأجواء المشحونة قبل بداية اللّقاء ، مسلسل الإعتداءات تواصل خلال تلك المقابلة ليبلغ إصابة المدرّب سعيد السايبي أين تمّ نقله إلى المستشفى على جناح السّرعة.
القرانين صارمة .. لكّنها لم تعد كافية !
لم يعد “غول” الإعتداءات و العنف بين اللاعبين و الإطار (الفنيّة و الطبيّة) و الطاقم التحكيمي حكرا على الحكّام المحلييّن فقط بل أصبح يطال الحكام الأجانب الذّين يديرون مواجهات ضمن الرابطة المحترفة الأولى لكرة القدم ، إذ شهدت مواجهة الدّربي في مرحلة الذّهاب بين النّادي الإفريقي و الترجي الرياضي التونسي لحساب الجولة السادسة من البلاي أوف إعتداء المدافع الدوّلي ياسين مرياح بالصّفع على حكم المباراة الموريتاني أحمد عزيز بوه و الذّي دّون فيما بعد أن تعرّض للدّفع و لم يتعرّض للصّفع ، لتسلّط فيما بعد الرّابطة الوطنيّة عقوبة الإستبعاد بأربع مقابلات و خطيّة ماليّة على اللّاعب قدرها 10 آلاف دينار ،عقوبة كانت من الممكن أن تهدّد اللاعب بالإقصاء لمدّة سنتين و غرامة ماليّة كبرى وفق لوائح الرّابطة الوطنيّة لكرة القدم ما يُترجم صرامة الرّابطة في إتّخاذ قراراتها تجاه الإعتداءات المتكررة على الحكّام إلا أنّها لم تعد تشكّل الرّادع الأول تجاه إنتشار هذه الظّاهرة.
محمد بن حسّانة : “الإدارة الوطنيّة للتّحكيم مجرّد “سينما” و الجامعة وراء وضع التّحكيم التّونسي”
بحثا عن خلفيّات و الأسباب الكامنة وراء إنتشار هذه الظّاهرة ، تحدّثنا في هذا السياق مع الحكم الدّولي السّابق محمد بن حسّانة ، و أكّد في مداخلته أن الجمهور الرّياضي التّونسي فقد كليّا ثقته في الحكّام التّونسيين و يرجع ذلك بالأساس إلى الجامعة التّونسية لكرة القدم و التّي تسبّب في إهتزاز الثّقة في كفاءة الحكّام المحليّين ، إذ لم تضبط الجامعة تكوين “قاعدي” و أساسي للحكّام و غياب الإهتمام بهذا القطاع و ردّ إعتباره بل أصبحت الجامعة تقزّم التّحكيم التّونسي خاصّة عبر إستدعاء الحكّام الأجانب وهو ما زاد الطّين بلّة و شدّد بن حسانة في حديثه أن هذه الخطوة هي إقرار علني من الجامعة أن الحكام التونسيين فشلوا في إدارة المقابلات الكبرى و الصغرى ، و لم يعد الأمر حكرا على ثقة الجماهير في الحكّام بل أصبح تشكيك في كفائتهم في إدارة المواجهات.
وتابع :” لمحنا مؤخّرا نجاح الحكم التّونسي هيثم قيراط في إدارة لقاء نهائي الكأس بين الترجي الرياضي التونسي و الأولمبي الباجي دون أخطاء ، و رغم النقاط المضيئة لأداء الحكام إلا أن الجامعة تعمل على تضعيف و تركيع التحكيم التونسي ، عموما يتكوّن الحكّام بإدارة اللّقاءات الكبرى كالدربيات و مباريات الكلاسيكو لصنع الخبرة و الكفاءة و بإقصائهم من إدارة مثل هذه المواعيد الرياضيّة الكبرى من الطبيعي أن ينقص معيار الكفاءة و الخبرة.”
و أضاف بن حسانة :” كما شدّدت فإن الجامعة هي المسؤولة عن هذه الظّاهرة و بصفة خاصّة رئيس الجامعة التّونسية لكرة القدم الذي يسيّر التّحكيم التّونسي ، فالإدارة الوطنيّة للتّحكيم اليوم هي مجرّد “سينما” و “قفّازات” بل شخص وحيد يتحكّم في هذا السّلك عن بعد و هو ما تسبّب في قضاء المصالح الضيّقة على التّحكيم التّونسي نهائيّا.
بالتالي تُفضي كلّ هذه الأسباب إلى إهتزاز الثّقة بين “الشّعب” الرّياضي و الحكّام التّونسيين ، ما يفسّر الإعتداءات المتكرّرة و التّي تطال الحكّام الأجانب.
أما في حديثه عن العقوبات التي كان من المفترض أن تحمي الحكّام من الإعتداءات ، قال بن حسانة :”أي عقوبات و أي حدّ ؟ لاعب يصفع حكم و يُعاقب بأربع مقابلات فقط ! في الحقيقة العقوبات التي تضبطها الرّابطة و الجامعة هي عقوبات سخيفة و أصبحت تعمل على تأجيج الوضع من إحتجاجات و إستهداف للحكّام”.