22.9 C
تونس
22 مايو، 2024
اخبار متفرقة كرة قدم وطنية

المجموعات الرّياضية تصحح مسار أزمة الكراسي..وتحرج السلطة أمام الهياكل القارية والدولية..

 

الرّياضية – وصال الكلاعي

لطالما عانت الرّياضات التّونسية، سيما كرة القدم، من تردّي البنية التّحتية بالبلاد. ولئن كان حجم المعاناة كبير فإنّه يولد من رحمها أبطالا يحملون الرّاية التّونسية عاليًّا أينما حلّوا، فرديًّا أم جماعيًّا.

كرة القدم، الرّياضة الشّعبية الأولى في العالم. هي “لعبة صنعها الفقراء فسرقها الأغنياء”، كما وصفها جمهور النّادي الإفريقي العريق في إحدى دخلاته. وإن لم يعِ الأغنياء بقيمتها وفوائدها على الاقتصاد العالمي ومكانتها لدى الشّعوب لما سرقوها. فالإقتصاد الحديث اليوم أصبح يتجّه إلى الإستثمار في المجال الرّياضي ومنه النّهوض بالبلاد والعباد. فقدنا شاهدنا جميعًا كيف دخلت قطر قلوب جلّ مكوّنات المجتمع العالمي بعد تنظيمها المميّز لمونديال فيفا 2022. فقد اِستغلّت الحكومة القطرية تلك المناسبة للتّرويج لسياحتها وحضارتها. ونسج على منوال قطر بقيّة الدّول العربية. فالجزائر أبدعت في تنظيمها للشّان، كأس أمم إفريقيا للمحلّيين، بملاعبها العصرية وبنيتها التّحتية القوّية من مواصلات حديثة إلى الفضاءات السّياحية العديدة. فالدّولة الجزائرية تسعى إلى الفوز باُستضافة كأس أمم إفريقيا 2025. بل تتنافس مع المغرب على الفوز بذلك التّكليف. المغرب الّذي تألّق، الأسبوع الماضي، في تنظيم حفل إفتتاح الموندياليتو، كأس العالم للأندية. ومازال يحتضن بقية منافسات المسابقة إلى غاية 11 من الشّهر الجاري.

ولا يمكن تجاهل ما قدّمته العراق في مسابقة كأس الخليج في نسختها الخامسة والعشرين. العراق الّذي عاد من بعيد إلى الواجهة الرّياضية بملاعب من أعلى طراز. أمّا المملكة العربية السّعودية فهي تحلّق في مستوى آخر وتنشد حطّ الرّحال على المدى القريب، المتوسّط فالبعيد. فقد نظّمت السّعودية كما تعلم عزيزي القارئ مسابقتي السّوبر الإسباني والإيطالي، فضلا عن مباراة كأس موسم الرّياض. فالحكومة السّعودية تتّبع إستراتيجية كاملة في التّرويج لملاعبها، دوريها، باستقطاب أكبر نجوم العالم، وواجهتها السّياحية. فهي تعمل على تدعيم ملفّها للتّرشّح لإحتضان مسابقة كأس العالم فيفا 2030.

“درّة المتوسّط” بتقييم دون المتوسّط..

أمّا تونس فتجلس هناك في الزّاوية البعيدة تتأمّل إنجازات أشقائها دون ساكنًا ان تحرّك ساكنًا من أجل النّسج على منوالها. لا نطالب، في الوقت الرّاهن على الأقلّ، بتنظيم المسابقات الكبيرة بل نرجو توفير الظّروف الملائمة لممارسة كرة القدم وتمهيد الطّريق نحو نجاح الأندية التّونسية على المستوى القارّي.

فقد أصبحت البنية التّحتية المهترئة للرّياضة التّونسية تهدّد طريق الأندية التّونسية نحو النّجاح على الصّعيد القارّي بالأخصّ. فلا تملك تونس غير ملعب رادس، مؤهّل لاِحتضان المباريات القارّية. إلاّ أنّ درّة المتوسّط، كما يُسمونه، أصبح بعيد كلّ البعد عن الملاعب الحديثة.

فنظرًا لعدم توفّر كراسي فيهما، منع الاِتّحاد الإفريقي لكرة القدم التّرجي الرّياضي التّونسي من اِستغلال المنعرجين الجنوبي والشّمالي بأولمبي حمّادي العقربي برادس أثناء مبارياته في مسابقة دوري أبطال إفريقيا، الإستحقاق الأوّل والأهمّ بالنّسبة لشيخ الأندية التّونسية.

ووضّح أستاذ علم الاِجتماع، محمّد الجويلي السّبب الأرجح لتجريد المنعرجين من الكراسي قائلاً:” يمثل ملعب كرة القدم مسرح صراع بين جماهير الألتراس والأمن التّونسي الّذي يمثّل الدّولة التّونسية.  وقد خلق هذا الصّراع عداوةً بغضاء بين مجموعات الألتراس والأمن التّونسي..  وهو ما من شأنه أن يجعل من كلّ قرارات الجامعة التّونسية لكرة القدم مؤجّجة للتّناقض بين الأمن والمجموعات. وجمهور الفيراج يرى الكراسي “أداة حربية” من منظوره. أي هي وسيلة مستخدمة في العلاقة العدائية بين الطرفين. لذلك أرجّح أنّ قرارات إزالة الكراسي هي قرارات أمنية بحتة نفذّتها إدارة الملعب. وقضى الأمن برفعها لأن جمهور الكورفا، الفيراج، أصبح يلتجأ إليها إما لمهاجمة الأمنيين أو للدّفاع عن أنفسهم في حالة الإشتباك. تتلف الكراسي. وإتلافها يمثّل خسارة مادية للدّولة. لذلك خيّر المسؤولون التّخلّي عنها في الفيراج”.

وعلى خلفية ذلك طالبت إدارة فريق باب سويقة السّلطات المعنية بالتّدخّل الفوري لفضّ هذا الإشكال وإلاّ سيحرم الفريق من مساندة 30 ألفًا من أنصاره في المدرّجات. علمًا أنّ الاِتّحاد الرّياضي المنستيري محروم من إستقبال منافسيه في مسابقة كأس الكنفدرالية الإفريقية في ملعب مصطفى من جنّات وسيستقبلهم في رادس، الّذي لا يخلو من العيوب، هو الآخر.

المجموعات تتوحّد وبالسّلطات تتوعّد!

الموضوع لم يتوقّف عند البلاغات من قبل إدارة الفريق. فللأحمر والأصفر جيش جماهيري عتيد يدافع عن تلك الألوان كلّفه ذلك ما كلّف. الكورفا الجنوبية لم تقف مكتوفة الأيدي. الثّلاثاء 31 من جانفي 2023 أصدرت مجموعات جمهور التّرجي الرّياضي التّونسي بلاغًا موحّدًا دوّنت فيه الآتي:

“بيان مجموعات المنعرج الجنوبي.. تبعًا للقرار الصّادر عن لجنة المسابقات بالإتحاد الإفريقي القاضي بغلق مدارج المنعرجين الجنوبي والشّمالي بسبب عدم وجود الكراسي بهما وهو الشّرط الأساسي الّذي تفرضه لجنة المسابقات للسّماح للجماهير بالدخول إلى هذه المدارج في قادم الإستحقاقات المصيرية الّتي تنتظر فريق الترجي الرياضي التونسي.

وبإعتبار أن هذه الإستحقاقات لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكسب بدون دور الكورفا الفعّال في دعم الفريق و إعطائه الدفع اللّازم لتحقيق الإنتصارات من معقلها الأصلي وهو المنعرج الجنوبي.

وبإعتبار أن التّرجي الرّياضي التّونسي يمثّل راية تونس في الخارج وبإعتبار أنّ هذا الوطن الّذي لم يبقَ فيه المتنفس الوحيد للشّباب غير الملاعب، فإن جماهير التّرجي عامّة ومجموعات الكورفا سود خاصّة تطالب سلط الإشراف بضرورة تحمّل مسؤولياتها و تجهيز مدارج المنعرجين الجنوبي والشّمالي لضمان حقّ جمهور التّرجي الرّياضي التّونسي في مساندة فريقه قاريًّا وتدعو إدارة التّرجي للتّنسيق بين سلط الإشراف لضمان حسن سير الإجراءات في اِنتظار برنامج عمل إدارة الحيّ الوطني الرّياضي لفضّ هذا الإشكال .

وفي صورة عدم تجاوب وتحرّك السّلط المعنية إلى حدود يوم الخميس 2 فيفري فإن جماهير التّرجي ومجموعات الكورفا سوف ستدعو للتّجمع يوم الجمعة بحديقة الحسّان بلخوجة على السّاعة12h00  قبل الخروج في مسيرة جماهيرية في إتّجاه وزارة الشّباب والرّياضة على السّاعة 0013h كمقدّمة لمجموعة تحرّكات لن تتراجع فيها إلا بعد تحقيق ما طالبت به ومن أنذر فقد أعذر”.

“الكورفا” تحرج السلطة؟

إثر هذا البلاغ، اِجتمع وزير الشّباب والرّياضة، كمال دقيش، برئيس التّرجي الرّياضي التّونسي، حمدي المؤدّب، يوم الأربعاء غرّة فيفري بمقرّ الوزارة. لدراسة سبل حلّ الإشكال القائم وتفادي خروج الجماهير الغاضبة إلى الشّارع.  وبالفعل إستجاب الوزير لمطلب التّرجيين ووعد بتوفير الكراسي قبل مباراة الجولة الثّالثة من دور المجموعات على الأكثر، إذ يواجه التّرجي الرّياضي التّونسي نادي الزمالك المصري يوم 25 من الشّهر الجاري. وعلى ضوء ذلك راسلت إدارة فريق الدّم والذّهب “الكاف” لتمكينهم ترخيصًا إستثنائيا يسمح بولوج الجماهير إلى المدرّجات في الجولتين الأولتين.

ما حصل الأسبوع الماضي أعاد إلى الواجهة سؤال ما مدى تأثير مجموعات ألتراس كرة القدم “الكورفا الشّعبية” على أصحاب القرار؟  لِمَ لَمْ تتحرّك السّلطات المعنية إلاّ بعد صدور بلاغ تهديدي صريح من طرف “الكورفا” متوعّدين السّلطة باللّجوء إلى الشّارع؟

وأجاب أستاذ علم الاجتماع السيّد محمّد الجويلي على هذا السّؤال مفسّرًا: “الألتراس هي مجموعة شبابية شبّت على الاِحتجاج داخل الملاعب وخارجها. وقد يبدأ التّظاهر من أجل تنصيب الكراسي ثم يقع اِنفلات وتتوسّع دائرة الاِحتجاج ضروبه، وأسبابه. وتخرج الأمور عن نطاقها. فمِن مسألة الكراسي قد نصل إلى الاِحتجاج من أجل التّنمية والتّشغيل وتتدخّل بعض الأطراف السّياسية والحزبية، خاصّة تلك المعارضة للدّولة ونظامها السّياسي، تروقها الأوضاع المتوتّرة. ويُشعَل فتيل الغضب في صفوف الشّباب. وهذا ما يزعج الدّولة لذلك تعدّ له العدّة أمنيًّا، بفرض العقوبات الرّدعية على مناصري الأندية في صورة الاِحتجاج في الشارع.  لأنّ الاِحتجاج داخل الملعب يكون مطوّق أمنيًّا ولا يَحِيدُ عن عالم كرة القدم. أما التّظاهر في الشّارع فيوسع دائرة الاِحتجاج ليشمَل كلّ المجالات وتتجاوز أسبابه مسائل كرة القدم.

وأضاف الجويلي في السّياق ذاته: “لعلّ أبرز مثال على التّظاهر في الشّارع، مجموعات النّادي الإفريقي حينما اِحتجّت جماهير المنعرج الشّمالي في قضية عمر العبيدي خاصّة. وقد يكون ذلك ضدّ إدارة ومكونات فريقهم، مثلاً اِحتجاج جماهير نادي باب جديد ضدّ الهيئة المديرة لسوء تسييرها للفريق.

وجماهير النّادي الرّياضي البنزرتي الّتي طالبت بملعب خاص بناديهم وبالجهة عامّة. ويعتبر ذلك دافع اِحتجاجي غير مألوف. فلم يطالب المحتجّون بالتّشغيل والتّنمية بل طالبوا بملعب كرة قدم لائق بالجهة. نذكر أيضًا مثال جماهير قلعة الأجداد، النّادي الرّياضي الصفاقسي، على خلفية الضّائقة المالية الّتي عانى منها الفريق.

صفوة القول أنّ مجموعات الألتراس، الكورفا، لها من القوّة ما يكفي لتكوين الحشود والتّجييش، إن صحّ التّعبير، من أجل الدّفاع عن قضاياهم بغضّ النّظر عن ماهية تلك القضيّة الّتي يدافعون عنها.

ومدرّجات الملعب هي الفضاء المقدّس لمجموعات الألتراس ففي حال المساس بقُدسية هذه المدرّجات تكون قد مسست بهوية المجموعات. والكورفا “تناضل” في سبيل هويتها وبالتّالي يكون الشّارع ساحة نضالها في سبيل نصرة قضيّتها. وذلك له تبعات أمنية مزعجة للدّولة. فتتفاداه”.

 

آخر الأخبار