34.3 C
تونس
15 مايو، 2024
اخبار متفرقة كأس العالم كرة قدم وطنية

الإنتماءات الرّياضيّة للإعلاميين في تونس : إلتزام بأخلاقيّات المهنة أم خدمة لأطراف معيّنة؟

 

الرّياضيّة – أميمة الجبالي

يُتيّم كلّ متابع أو عاشق لعالم المستديرة السّاحرة بفريق رياضيّ محليّ و عالميّ ،فلكلّ منّا انتمائه الخاص إما عبر الجهات أو عشق متوارث لأحد الفرق ، فروح الجمعيّات الريّاضية يكمن في جمهورها الذي يدافع عنها بشراسة سواء في الهزيمة أو الإنتصار. لكن ! عندما يتعلّق الأمر بالمهنة الصحفيّة و أخلاقيّاتها في مجال الإعلام الريّاضي فهنا تختلف الأمور و يتحوّل إلى عشقٍ ممنوع يجمع الصحفي الريّاضي بفريقه رغم أن من إختار إمتهان الإعلام الرياضي هو بالأساس متيّم عاشق بفريق ما ،بل إنّ حبّه و انتمائه للجمعية الرياضية هو الدافع الأول الذي جعله يختار تلك المهنة علّه يكون قريبا منها.

فهل ينجح الإعلاميّون في الفصل بين مشاعرهم و مهنيّتهم أم يُخفقون في التفرقة بينهما؟

المشكل ليس في الإنتماء بل في الإخفاء !

إن الإلتزام بقواعد المهنة الصحفيّة و أخلاقياتها يفرض علينا إحترامها وتطبيقها ,لكن تراجع المشهد الإعلامي التونسي عموما في السنوات الأخيرة يعكس تجاوزات مختلفة في أروقة المؤسسات الإعلامية والتي ينقاد لها بعض الإعلاميين عبر المنابر التي يستغلونها والتي من المفترض أنها تحمل على عاتقها مسؤولية الأمانة والحياد. فلا حرج على إنتماءً رياضي يحمله الصحفي بل الخلل الحقيقي يتجوهر في إستغلال الميكروفون أو القلم لخدمة طرف رياضي معيّن.

وفي هذا السياق قال الصحفي الرّياضي أيمن السّخيري في تصريحه لجريدة الرّياضية أنه لا يمكننا الحديث عن إعلامي رياضي لا يحمل إنتماءً رياضيّا في تونس والعالم عموما ،فالعمل ضمن مجال الإعلام الرياضي يقتضي آليّا أن يكون الصحفي مولعا بكرة القدم وهو ما يعكس انتماءً رياضيا ,وقال السخيري أنه محليّا فإن الانتماءات الرياضية للإعلاميين التونسيين عادة ما تكون متداولة و مكشوفة للجماهير الرياضية إذ تُترجم في مداخلاتهم الإذاعية أو التلفزية أو حتى عبر أقلامهم من خلال أعمالهم الصحفية المكتوبة وهو ما يعكس القرب العاطفي الذي يجمع الصحفي بجمعيّة رياضيّة مُعيّنة.

أما في حديثه عن أخلاقيّات المهنة فقد تابع السّخيري أنه من الصّعب اليوم الحديث عن التزام بأخلاقيّات المهنة في كل المجالات الصحفية وليس في الإعلام الريّاضي فقط مؤكدا أنها أصبحت اليوم حبرا على ورق ويغيب التقيّد بها مما يُفقد خاصية الحياد إذ أصبحت هذه الخاصية حكرا على بعض الإعلاميين الرياضيين فقط ، وما أسهم في تفاقم ظاهرة غياب الحياديّة -في المواد الإعلامية المتداولة سواءً الريّاضية أو غيرها- ، إنتشار ثقافة الكرونيكور في وسائل الإعلام التلفزية والإذاعية فإنه إنتماءاتهم تُفضح أمام الجماهير.

العمل ضمن جمعيّة رياضيّة .. قرار صعب و لكن !

ليس من السهل أن يكشف الصحفي إنتمائه الرياضي أو أن يكون محسوبا على جمعية رياضية معيّنة خاصة في بداية مسيرته المهنية فمن الممكن ان يسبب له إختياره عوائق مهنية و اجتماعية قد تطال حياته اليومية ، و في هذا السياق صرّح الصحفي بقناة حنبعل و الفريق الإعلامي للتّرجي الرياضي التونسي هيثم الرّاشدي للريّاضيّة في حديثه عن تجربة العمل ضمن فريق إعلامي لجمعيّة رياضيّة أنه إختيار خاص و عن إقتناع ، خاصة وأن العمل لا يضرّ أو يمس من أي جمعيّة أخرى.

وأكد الرّاشدي أنه خاض سابقا تجربة العمل في مؤسسات إعلامية وقد تقيّد بالقواعد التي تفرضها طبيعة العمل الصحفي مؤكدا أنه تعرّض سابقا لمشاكل عديدة مع فريق التّرجي -الذي ينشط صلبه حاليّا- عندما افترض توجيه الإنتقادات، أي أن العمل الصحفي الرّياضي عموما يفرض الحياد في نقل الأخبار و تداول المواد الإعلاميّة مهما كان الإنتماء .

وتابع الرّاشدي أنه عموما من الطبيعي أن يحمل كل إعلامي إنتماءً رياضيّا مُشددّا على إحترامه لكل الصحفيين الذين لا يفصحون عن إنتمائهم و قال في الإطار نفسه أنه من الصعب اليوم أن يكشف الصحفي إنتمائه خاصة مع الجماهير الرياضية في تونس التي لا تتقبل الإختلافات الرّياضيّة، مما يُعرّض الصُحفي للشّتم و الهرسلة لذلك يتجنب بعض الإعلاميين الإفصاح عن إنتماءاتهم و هو من حقّهم .

وأضاف الرّاشدي أنه يمكن الإقتداء بالأمثلة العالميّة فالصحفيين الأجانب عادة ما يتداولون إنتماءاتهم ، فمن الممكن إن أصبح هذا الأمر إعتاديا في الوسط الإعلامي الرياضي التونسي أن يُجسّد مُحاولة لتغيير عقليّة الجماهير المتعصّبة للتّقليل من الضغط على الصحفيين.

وأجاب الراشدي على سؤالنا ما إن كان العمل ضمن فريق صحفي لجمعية رياضية قد يحرم الصحفي مستقبلا من العمل صلب مؤسسات اعلامية قائلا إن هذه التجربة لا تشكل عائقا في المسيرة المهنية للصحفي وأكد أنه تلقى عروضا حتى بعد تجربته مع فريق الأحمر والأصفر و أكد أن الوسائل الإعلامية تنتدب و تُقيّم وفق الكفاءة و التّجارب السّابقة في المجال.

مشهد إعلاميّ يؤثثه اللاّعبون !

شهد المشهد الإعلامي الرياضي في السنوات الأخيرة تحولاّت مختلفة على مستويات عدّة منها التّقديم و المواضيع المطروحة إذ صرّح أستاذ علم الإجتماع محمد الجويلي للرياضية أن تعامل الإعلاميين بشكل عام مع الأحداث الرياضية و خاصة فيما يتعلق بالمنتخب قد تغيّر في السنوات الأخيرة، فلم يعد الإعلاميّون هم من يؤثّثون الحصص الرياضية بل اكتسحها اللاعبين و المدربين و أصبحوا يتصدّرون المشهد الإعلامي و هو ما يجعل تقييم الاختيارات أو التوجّهات مرتبط دائما بإنتماء هؤلاء لفرقهم القديمة و أصبحت اليوم تصريحاتهم واضحة و تخلو من الموضوعية تجاه الفريق الذي ينتمي إليه (المدرب أو اللاعب السّابق) و تشكّلت مخاوف كبيرة خاصة من أنصار الفريق عبر الهجمات الفايسبوكية مثلا ، فيدخل آليا في المجاملة حتى و ان خالفت قناعاته و يتحول اللاعب أو المدرب هو الناطق الرسمي باسم الفريق.

و أكد أن الإعلام الرياضي الذي يؤثّثه صحفيين مختصين أصبح في تراجع اليوم في المشهد التلفزي و الإذاعي و أصبح المجال الوحيد للمختصين هو الصحافة المكتوبة ، وهو مايضيّق الخناق على الصحفيين المختصين الذين تلقّوا تدريبا خاصا و أكاديميّا مما يؤهلهم للاختصاص في مجال الإعلام الرياضي.

و تابع الجويلي أن بعض الصحفيين كانوا سابقا مراسلين محليين و هو ما يقلل من قيمة الصحفيين الرياضيين و جاء الاعتراف بهذا الاختصاص متأخرا ، حتى في معهد الصحافة و علوم الإخبار كانت المجالات الاقتصادية والسياسية تحظى بالنصيب الأكبر .. أما في سنوات الأخيرة أصبحت الرياضة عامة و كرة القدم خاصة مسألة كونية لتصبح ذات أهمية أكبر أكاديميا ، و اليوم أصبحت ظهور الوجوه الشبابية الجديدة في الإعلام الرياضي تشغل خطة الإعداد “جنود الخفاء”.

وتابع الجويلي أن هذه الظاهرة تؤثر مباشرة على نوعيّة المضمون الإعلامي المطروح لأن الصحفي دائما ما يلتزم بأخلاقيّات المهنة و يعرف جيدا كيفيّة الموقع داخل منظومة كثيرة الانتماءات و هو ما يُمكّن الصحفي المتمرّس و المتكوّن أكاديميا بمعهد الصحافة و علوم الإخبار أن يتمسّك بأخلاقيات المهنة و القوانين و محددات الاختصاص. و بما أن السّوق الإعلامي اليوم يعجّ باللاعبين القدامى و المدربين و المراسلين و من لا اختصاص لهم ، فقد اكتسحوا المشهد الإعلامي و عالم الريّاضة عموما صُدفةَ بأي طريقة من الطرق ، و هو ما سيخلق الكثير من الانتماءات و السّطحية ونوع من الرّتابة عبر إعادة الكلام و هو ما يخلّف معاملات الزّبونية التي يتخللها الفساد و خدمة مصلحة أطراف على حساب أخرى ، فعالم كرة القدم اليوم في رهان كبير إقتصادي وسياسي و رمزي .

وأصبح اليوم من السّهل إغراء -الصحفيين الغير متمرسين أو ليسوا خريجي معهد الصحافة وعلوم الإخبار الذي يضبط نواميس المهنة و قوانينها و أخلاقياتها- إغرائهم و إقحامهم ضمن مجموعات الضغط و لوبيّات الفساد مما يصنع مشهد إعلامي خالٍ من الموضوعية و الحرفيّة.

 

 

آخر الأخبار