22.9 C
تونس
22 نوفمبر، 2024
اخبار متفرقة

التدخين والكحول في حياة الرياضيين.. ظاهرة استشرت في الوسط الرياضي.

التدخين والكحول في حياة الرياضيين.. ظاهرة استشرت في الوسط الرياضي.

 فهل يعي هؤلاء مخاطر النيكوتين أم في الظّاهر رياضيين و في الباطن مدمنين؟

أميمة الجبالي – الرّياضية

تنتشر ظاهرة التدخين في أروقة الأوساط الرياضية منذ زمن بعيد , إذ تعدّ هذه المعضلة آفة تنهش جسد الرياضيين وتُحطم مسيرتهم الكرويّة في وقت قصير , وطالما أفصح بعض النّجوم العالميين عن عشقهم للسّجائر لترصد الكاميرات البعض الآخر منهم الذي تستّر عنها, إذ إنتشرت هذه الظّاهرة وغيرها كإستهلاك الكحول و المخدّرات في صفوف اللاعبين فلم يعد المستطيل الأخضر اليوم منبعا للفنيات و المهارات التي تُمتع عشّاق عالم المستديرة بل أضحت تهديدا للشبان و الفتيان لتأثرّهم بنجومهم المفضلين و إنسياقهم وراء هذه الممارسات.

فكيف إنتشرت هذه الظّواهر بين الرياضيين وأي أضرار تُلحقها هذه الممارسات باللاعبين الشبّان؟

لئن إنتشرت ظاهرة التدخين بين اللاّعبين منذ فترة طويلة إلا أنّها عادت للظّهور هذا الأسبوع إثر إيقاف نادي رويال أنتويرب البلجيكي للاعبه رادجا ناينجولان حتى نهاية الموسم الحالي بسبب ظهوره على دكّة البدلاء وهو يدخّن السّجائر الإلكترونية قبل بداية مباراة فريقه ضد ستاندر لييج ولم يكن أنتوريب الوحيد الذي يدخّن داخل الملعب بل سبقه نجوم عدّة كماريو بالوتيلي الذي يدخّن علنًا في المعسكرات ومسعود أوزيل وبوفون و النّجم الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي رصدته الكاميرات منذ سنتين وأثار جدلا واسعا في الصّحافة العالميّة إضافة إلى زيدان ومونديال 2006 أين ضبطت الكاميرا نجم الديوك الفرنسية يُدخن صحبة بارتينز.

أما محليّا فكثيرا ما انتشرت تسريبات و صور للاعبين و أبطال تونسيين يدخنون السّجائر أو الأرجيلة على مواقع التواصل الإجتماعي ليصبح التعامل مع مثل هذه الممارسات إعتياديا و لم يعد غريبا على المسامع وصرّح سابقا اللاعب الدولي السابق خالد بدرة في إحدى البرامج الرياضية أنه كان يدخن سيجارة بين الشوطين للضّغط الكبير الذي يتعرّض له من النسق الجنوني للمقابلات و الجماهير, ولم يعد الإستهلاك يقتصر علة السجائر و الأرجيلة أو حتى الكحول بل أصبح بعض اللاعبين يستهلكون مادة (لا تباع في تونس) و توضع تحت اللّثة وتمنح مفعول مواد مخدرة لمدة 5 أو 10 دقائق لكنها لا تشكل ضررا كبيرا على صحة اللّاعبين و لا يمكن للتّحاليل أن تكشفها , فتشكل هذه الممارسات و تناولها إعلاميا خطرا داهما يحدق بمستقبل الرياضيين الشبان في تونس,

فأيّ ضرر تُلحقه هذه الممارسات بأجساد الرّياضيين؟

سمّ قاتل !

قال ذاكر لاهيذب طبيب مختص في القلب و الشرايين للرياضية في حديثه عن مضار التدخين و تعاطي المخدرات أن بالنسبة للرياضيين فإن التدخين يحدّ من المؤهلات و الأداء الرياضي بتأثيره على الجهاز التنفسي , إذ تتسبب مادة القطران في السجائر في انسداد الحويصلات الرئوية و الشيخوخة المبكرة للشرايين التي تسبب بدورها تراجع العمر الرياضي للاعب من 35 سنة إلى 28 أو 29 سنة.

وأضاف لاهيذب أن التدخين قد يسبب إنسداد شرايين الساق وشرايين القلب كذلك وشدد أنه لا يمكن تحقيق التوازن في الجسم عبر التدخين و ممارسة الرياضة مثلما يعتقد الكثيرون. وقال لاهيذب أن التدخين السلبي و النارجيلة (الأرجيلة أو الشيشة) تعد أخطر وأكثر إنتشارا بين الرياضيين إذ تعادل “الشيشة” تدخين 20 سيجارة و يحتل أحادي أكسيد الكروبون سطح الكريات الحمراء (هيموغلوبين) المسؤولة عن نقل الأكسجين في جسم الإنسان مما يتسبب بدوره في انسداد الشرايين كما يحد أحادي أكسيد الكربون من عملية التنفس و وصول الأكسجين للعضلات.

أما في حديثه عن المخدرات فقد قال دكتور لاهيذب أن تدخين القنّب الهندي و الذي يعتقد البعض أنه ليس بالمخدر القوي فإنه يتسبب في السكتة القلبية و الموت الفجئي وسط الميدان خلال المباريات أو التدريبات وأضاف أن الكوكايين من أخطر أنواع المخدرات التي تسبب في تمزق الشرايين التّاجية للقلب ويُذكر أن استهلاك الكوكايين تسبّب في وفاة “الطفل الذهبي” أو الأسطورة الذي لن يتكرر كما ينعته الكثيرون دييغو مارادونا.

وشدد الطّبيب من جديد على ضرورة إعتماد نمط حياة صحّي للرياضيين (النوم لساعات كافية, الأكل الصحي, عدم التدخين أو استهلاك الكحول..) والذي من شأنه أن يمنح عمر رياضي أطول الذي قد يصل إلى 40 سنة في المقابل فإن التدخين و النظام الغير صحي قد يتسبب في ايقاف المسيرة الكروية أو الرياضية في سن 27 أو 28 كأقصى تقدير.

ممارسات تنهش مستقبل الشّبان

و في إطار بحثنا عن أسباب إنتشار هذه الظواهر في صفوف اللاعبين الشبان إجتماعيا قال الدكتور المختص في تكوين الشبان عادل الختالي في تصريحه لجريدة الرياضية أن إنتشار ظاهرة التدخين في صفوف الشبان (فتيان و فتيات) بين 15 و 18 سنة سببها العدوى بين اللاعب و أصدقائه أو أقرانه خلال التدريبات أو في الوسط المدرسي وتتسم هذه الفئة العمرية بالتغيرات الفيزيولجية (البلوغ) و يمكن التعبير عنها بفترة المراهقة والتي يسعى خلالها اللاعب الشاب الى اثبات ذاته في المجتع أو ان ينساق وراء “التقليد” لمحاكاة تصرفات الكبار (الكهول) وشدد الختالي أننا نعيش في وسط مدخن و يُقصد به أن المجتمع التونسي من أكثر المجتمعات المدخنة و التي تتصف بالتبجح و إعتبار التدخين وسيلة للتعبير عن رفاهية العيش.

وقال الختالي أن ظاهرة إستهلاك المخدرات (الزطلة) تنتشر خاصة بين أعضاء المجموعات الرياضية (القروبات) وفي حديثه عن التدخين أكد الاستاذ الختالي أن انتشار التّدخين ليس حكرا على الذكورإذ ينسقم مجموع المدخنين بالتساوي بين فئة الذكور و الإناث على حدّ السواء وصنّف الختالي كذلك الرياضات حسب نسبة المدخنين معتبرا إذ تتصدر كرة القدم الترتيب تليها كرة اليد و بنسبة منخفضة الرياضات الفردية وقال أن في اعتقاد الرياضيين أن التدخين يمنحهم الإحساس بإثبات الذات و الهوية , فيما يُكسبهم إستهلاك المخدرات مجهود و طاقة بدنية لتتحول بالتالي عملية الإستهلاك من تقليد إلى ممارسة ثم تحقيق أهداف (مردود رياضي أفضل).

وأضاف أن المجتمع اليوم أصبح يتقبل ظاهرة التدخين مقارنة بفترة التسعينات و تعد اليوم كنمط حياة يومي مثل المجتمعات الأوروبية وتراجعت صرامة الأولياء في المقابل و خاصة دور الأب في العائلة تراجع منذ فترة الإستقلال وأصبحت السلطة الأبوية غير نافذة خاصة مع انتشار الحريات و توافد ثقافات مختلفة و هو مفهوم خاطئ , وقال الختالي أن بعض المدربين بدورهم يدخنون و يقدمون مثالا سيئا لللاعبين الشبان ويصلون الى حد تدخين السجائر الالكترونية خلال تسيير المقابلة على بنك البدلاء , مما ينقل العدوى لللاعبين لكن نظرا للسلطة و العلاقة التي تجمع الطرفين يلجأ الشبان الى التدخين خلسة و الضرر بصحتهم على مستوى التنفس و المردود البدني.

و دعى الختالي بصفته مُشرف على المُكونين الى ضرورة تقديم المثال الحسن من جانب المدربين إضافة إلى إعتماد الحوار للتوعية بأضرار التدخين وأن التدخين قد يحرمهم من مسيرة رياضية بطولية وبالتالي ضرورة توفير المرافقة التربوية يؤمنها المكوّن او المُربّي ثم المشرف الفني العام إضافة الى إلزامية التواصل مع عائلة اللاعب الشاب للتمكن من مجابهة هذه الظاهرة ويمكن ان تتكاتف جهود الإطار في الفريق للبحث عن المتسبب في نشر الظاهرة بين اللاعبين و يمكن أن يتم فصله للمحافظة على بقية اللاعبين.

ويعتمد التكوين في جميع الرياضات (كرة القدم , كرة السلة..) على التكوين التربوي بتحقيق أهداف تربوية أولا ثم أهداف تعليمية (مهارات فنية) إذا بالأساس إن لم يتمكن المربي من تحسين سلوكيات الفتى او الفتاة فلن يتم تحقيق نتائج ملموسة وأكد الختالي من جانبه أنه صادف أثناء تكوينه لصنف الشبان في برج سدرية لاعب واعد ذو مهارات عالية إلا أن استهلاكه للكحول و السجائر تسبب في فصله عن الفريق رغم المحاولات العديدة التي قام بها الإطار الفني بالتواصل معه و مع عائلته لإنقاذ مسيرته الرياضية .

وشدد الختالي أن دور التوعية و المراقبة لا يقتصر على المكون او المشرف العام بل وجب إدراج السبل التوعوية بتنظيم حملات تحسيسية وترتيب مراقبة طبية دورية فالتكوين لا يعتمد فقط على المهارات الفنية فالأهداف التربوية هي التي من شانها أن تضمن مسيرة رياضية محترمة واستشهد الختالي بكريم بنزيما كلاعب حقق مسيرة كروية كبرى توجها بالكرة الذهبية وقد تلقى خلال فترة تكوينه أهداف تربوية مكنته من تحقيق هذا الإنجاز في المقابل فإن حاتم بن عرفة لم يحقق مسيرة كروية في قيمة مهاراته الفنية لإنسياقه وراء سلوكيات مختلفة.

وختم الختالي تصريحه بأن المجتمع و الإعلام بصفة عامة لايتقبل النقد مثل الحملة الإعلامية التي تعرض لها عادل الشادلي بعد تصريحاته في قناة فرنسية تحدث فيها عن سلوكيات لاعبي المنتخب من تدخين الأرجيلة و استهلاك للكحول, وقال الختالي أن طرح المواضيع رغم واقعيتها فإنها تُعرض صاحبها للنقد ويتلقى دعوات للتستر على الممارسات التي من شأنها أن تمس من سمعة المنتخب. و بالتالي لا يمكن اصلاح التكوين و مجابهة هذه الظواهر في الأوساط الرياضية إلا عبر التطرق لها.

وتحدث الختالي عن الفوارق بين اللاعب التونسي و الأجنبي قائلا أن مردود لاعبينا ضعيف و في تراجع مستمر للممارسات التي يقومون بها و اعتماد نمط حياة غير صحي في المقابل يلتزم اللاعب الأجنبي بانضباط تام إذ تعتمد الأكاديميات الأجنبية على احتضان اللاعب الشاب طيلة الاسبوع لتختلف عن الأكاديميات في تونس التي يتعامل معها الشبان و الأولياء كمؤسسة عادية تقدم خدمات تكوينية لمدة ساعة أو ساعة ونصف في اليوم.

يجب إذا أن تتكاتف الجهود بتحقيق التواصل بين العائلة و المشرفين على التكوين و الأوساط التربوية وتنظيم أيام تحسيسية و مراقبة دورية لصقل مواهب أجيال يمكن أن تصل الى محطات كبرى في الأيام القادمة.

 

آخر الأخبار