الرياضية – وصال الكلاعي
تنطلق البطولة الوطنية لكرة القدم في غضون اسابيع قليلة، و سيضرب الجمهور الرياضي موعدا مع المدارج نظرا لعدم التوصل لاتفاق بين الجامعة و التلفزات المحلية لنقل المباريات، وبذلك سيزداد عدد الجماهير و اقبالها على الملاعب.
وحصلت حادثة الأسبوع الماضي، تمثلت في إقتحام مجموعة الوينرز تدريبات النادي الأفريقي بسبب خسارة الفريق في الدور النصف النهائي من كاس تونس ضد النادي الصفاقسي، كما راجت في الأونة الأخيرة تعطل في تدريبات عدد من الفرق بسبب غضب الجماهير وغيرت بعض الفرق من مكان تربصهم تفاديا لاشتباكات بين الجماهير و اللاعبين .
وكالعادة وليست بالامر الجديد، لم يظهر أي هيكل رياضي أو اداري استراتيجية عمله ضد التصدي لعنف الملاعب ومن بينها وزارة الرياضة التي باتت تصدر بلاغات شحيحة رغم كثرة الاجتماعات المكتبة في مقر وزارة شارع محمد علي عقيد
كما تناثرت بعض التهم في التسبب في هذه الظاهرة لبعض الأطراف المتداخلة كالجهاز الأمني ولجان التنظيم وحتى المسؤولين في الأندية حيث اتهموا بالتساهل مع الجماهير وهو ما أدى إلى تفشي وارتفاع منسوب العنف في رياضتنا لكن الأمر المريب في الموضوع أنه في كل مرة تقع أحداث مشابهة للتي وقعت في نهائي كرة اليد باين النادي الأفريقي و الترجي الرياضي
ويبقى السؤال المطروح في هذا الصدد حول أسباب تفشي هذه الظاهرة.. فهل أن السياسات الرياضية دابت على التعاطي السلبي مع هذه الظاهرة ؟
العنف يستفحل في الملاعب الاوروبية
شهد ملعب أليانز ريفيارا أحداث شغب وعنف، قبيل لقاء نيس الفرنسي وكولن الألماني في إطار الجولة الأولى من دور مجموعات دوري المؤتمرات الأوروبي، وكانت جماهير الفريق الألماني قد تسببت في حالة من الفوضى في مدينة نيس الفرنسية باعتدائها على الممتلكات العامّة وتخريب متجر الفريق المستضيف نيس.
وتواصلت الاعتداءات إلى داخل الملعب، فقبيل انطلاق المباراة، اقتحم الألمان مقاعد الجماهير الفرنسية ونادوا بالعنف وأفادت تقارير صحفية محلية تسجيل 18 جريحا منهم حالتان خطيرتان أحدهم تعرّض للطعن وآخرسقط من أعلى المدرجات.
ورغم جدّية الوضع، أصرّ الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بعد التشاور مع السّلط المحلية على لعب المباراة وأي قرار مخالف لذلك يؤدي إلى إلغائها نهائيا.
ظاهرة العنف في الملاعب…ظاهرة دون حل عملي
العنف في الملاعب ظاهرة متفشية في كل أنحاء العالم ولعل أقرب مثال عن ذلك هو ما شهدته تونس الموسم الماضي في نهائي كأس تونس لكرة اليد يوم 11 ماي 2022 بين الغريمين التقليديين الترجي الرّياضي التونسي والنّادي الافريقي.
في القاعة المتعددة الاختصاصات بالحي الوطني الرياضي برادس، أطلقت صافرة بداية المباراة لكن سرعان ما انتهت بصافرات الإنذار والاسعافات.
بعد رفع جمهور المنعرج الجنوبي للتيفو بلحظات، قرعت طبول حرب الشماريخ بين الجمهورين. يواجهها الأمن كطرف ثالث بالغاز المسيل للدموع والعصي. وهو ما أجبر الحكم والمراقب على إيقاف المباراة وسارعت القوات الأمنية إلى إخلاء القاعة. أما عن الاشتباكات في المحيط الخارجي للقاعة فحدث ولا حرج.
“الضربة جات باللطف، كيما كانت تنجم تجيني في أي بلاصة أخرى تنجم تعطلني برشا في حياتي وتضرلي مستقبلي.. أنا أمي لتوا مفجوعة” هكذا عبر علاء مطروح أحد ضحايا هذه الأحداث، وهو محب للترجي الرياضي التّونسي.
ويؤكد مطروح أنّها ليست المرّة الأولى الّتي يكون فيها ضحية العنف في الملاعب فمباراة نهائي دوري أبطال إفريقيا بين الترجي والأهلي تركت آثارها منحوتة على ذراعه.
علاء مطروح ليس وحده من عانى من أضرار بدنية بعد الأحداث. فمحمد السويسي، أحد أحباء النادي الافريقي، لولا مشيئة الله كاد يفقد حياته ويجعل من أمّه ثكلى.
رئاسة الجمهورية أيضا أبدت موقفها من الأحداث وقال سعيّد:” إن ما حصل عار على الرّياضة التونسية”.
توجهنا إلى الحماية المدنية أين قابلنا رئيس غرفة العمليات العميد صالح القربي.
وصرّح القربي أنّه أحيانا يتم تسجيل اِعتداءات على أعوان الحماية المدنية تحول دون أدائهم لمهامهم وأكّد أن الموسم الفارط تم تخريب سيارة إسعاف وشاحنة إطفاء بالإضافة إلى تهشيم نوافذ بعض العربات الأخرى جراء الممارسات العنيفة.
ويرى أنّ مجموعات الجماهير هم أكثر من يفتعل العنف حتى وإن كانوا ضمن نفس الجمهور.
وأشار العميد أنّه في السّداسي الأول لسنة 2022 تم نقل أكثر من 36 مواطن إلى المستشفى إسعاف 27 أخرين على عين المكان. بعضهم مصنف إصابات خطيرة جدا مستشهدا بإصابة محمد السويسي في أحداث النهائي الشّهير.
عداوة مجموعات الألتراس والأمن تؤجج أعمال الشغب
لتفسير دواعي العنف علميا حاورنا الأستاذ محمد الجويلي -أستاذ علم الاجتماع بجامعة تونس. ويرى هذا الأخير أنّ هناك انعدام ثقة وعداوة كبيرة جدّا بين مجموعات الألتراس والأمنيين والمستجد الآن، هو العنف داخل مجموعات الألتراس نفسهم. وقد استفحلت هذه الظاهرة خاصّة بعد حادثة عمر العبيدي، تعلم عوم.
ويقول الجويلي:” تقريبا كل منافسة فيها ضرب من ضروب العنف سواء كان مادي أو لفظي.. الآن أصبح الشّباب يرون أنّ الذّهاب إلى مشاهدة المباريات في الملاعب ناهيك أنّه مصدرا للفرجة والمتعة وتشجيع فريقه المفضل، هو كذلك مصدرا لتحقيق الذّات أي ذات الالتراس بالأساس وتحقق هويتهم الرّياضية.
وكلّما تم المس بأحد هذه العناصر من طرف الأمن إلاّ ونشب العنف. وقد يخرج عن محيط الملعب أو القاعة ويتواصل إلى الشّارع والمركّبات الرّياضية للفرق.. اليوم لم تعد نتيجة المباراة هي المسبب الرّئيس للعنف فقد تجد أنّ جمهور الفريق الفائز هي الّتي تبادر بالعنف.
رئيس غرفة العمليات صالح القربي يتبين بعض الأسباب:” إشكالات إجتماعية وإقتصادية وضعف التأطير والتوعية في الوسط التربوي هي أهم إقدام الشّباب على العنف”.
ويضيف:” على المؤسّسات التربوية توعية الشباب. ولعلّ أبرز عنصر هو استهلاك المواد المخدّرة من قبل فئة من الجمهور، غالبا ما تجدهم دون 18 سنة، ثمّ التوجّه إلى الفضاءات الرّياضية وهو غائب تماما عن وعيه”.
إستعمال المقاربة الأمنية بدل الدراسات السوسيولوجية و العلمية .
يعتقد محمد الجويلي أنّه لمعالجة المعضلة يجب إعادة الثقة بين كل الأطراف خاصّة الأمنين والجماهير. ويكون ذبك بتكري العدالة. فمثلا على القضاء أن يأخذ مجراه في قضية عمر العبيدي لأنّه هناك نوع من الالتفاف حول القضية من كافة الجماهير.
ونوّه الجويلي بضرورة التزام الحكام بالحيادية لتفادي العنف. وأنّه من غير المعقول أن يساهم المسؤولين بتصريحاتهم المستفزة في تأجيج شرارة العنف.
وقال: “يجب وضع اتفاق يحدد مسؤوليات كل الأطراف. ولابدّ من إيجاد بروتوكول في التعامل مع الجماهير من بيع التذاكر فالاستقبال فالتنظيم في المدارج إلى الخروج من الملعب”
Les stadiers، رجال الملاعب، فكرة نشاهدها تُنفذ بكثرة في الملاعب الأوروبية حتى تبناها مؤخّرا فريق التّرجي الرّياضي التونسي أواخر الموسم المنقضي. فكرة تنظيمية لاقت استحسان الكثيرين.
يقول العميد صالح القربي في هذا الإطار:” إنّ الجهات الأمنية تضع إمكانات كبيرة لتأمين المباريات وأعتقد أنّهم سيرحبون بفكرة المساعدة على التظيم من قبل رجال الملاعب شرط تدريبهم وتكوينهم أمنيا. يمكن ـن يكون حلا جيّدا إن اِقتنعت به جميع الأطراف”.
وأضاف العميد:” نحن الحماية المدنية اقترحنا فكرة تكوين فرق تدخل أوّلي في النّجدة والإسعاف خاصة بالفضاءات الرّياضية الكبرى على غرار ملعب وقاعة رادس. ولا تضطلع الحماية المدنية إلا بدور التعزيز والمساندة.
فقد بلغ تطور نسبة تدخلات لجنة الإنقاذ معدل 6% سنويا أي حوالي 8 آلاف تدخل كل سنة. ويقابل ذلك موارد بشرية محدودة للحماية المدنية خاصة في ظل تزايد التظاهرات والتّدخلات في العشرية الأخيرة”.
لمناهضة العنف يجب تشريك جميع الأطراف من مسؤولين وأمنيين وجماهير لايجاد جل مناسب يرضي جميع الأطراف، حسب القربي.
وقال:” يجب توفر شروط معينة في الفضاءات الرّياضية فالتفتيش قبل دخول المنشآت الرّياضية غير مُجدي. فالشماريخ يتم إدخالها إلى الملاعب والقاعات حتى قبل أسابيع من المباراة المنشودة ويتم إخفاءها في أماكن سرية لا يعلمها إلا أصحابها. ويجب على الأقل ضمان عدم احتكاك الجماهير ببعضها. ولابدّ من القيام بدراسة شاملة للحد من ظاهرة العنف في الملاعب. وعلى ذكر ذلك فإنّ خزائن الجامعة التونسية لكرة القدم ملآنة بمثل هذه الدراسات لكن للأسف بقيت حبرا على ورق وأنا أعيب عليهم ذلك.. أعتقد أنّه قد آن الأوان للشّروع في التّنفيذ على الأقل قبل الموسم الجديد”.