الرياضية – هاني ابراهمي
اختار العديد من الرياضيين التونسيين “الهروب” خلال تمثيلهم لهذا الوطن في البطولات التي تقام في دول غربية بحثا عن تحسين ظروفهم المادية رامين خلف ظهورهم أحلامهم الرياضية، وفي الوقت الذي تودي فيه الهجرة غير الشرعية عبر قوارب في البحر المتوسط بأرواح شبان تونسيين يحلمون بالوصول الى اوروبا، يهدد “هروب” الرياضيين الذي يتم عن طريق السفر بصورة قانونية مستقبل الرياضات الفردية خاصة أن بعض الدراسات تتحدث عن هجرة أكثر من 250 رياضي منذ سنة 2000 وحتى الآن بصورة غير شرعية.
وهنا يبقى السؤال المطروح حول أسباب هذا الهروب ودواعي تفاقمه في السنوات الأخيرة؟
هروب عديد الأسماء على مدار السنوات السابقة
سؤال يجيب عنه الحكم الدولي في الملاكمة حلمي ساسي في حديثه مع الرياضية حيث يقول أن هذه الظاهرة ليست مستجدة بل قديمة جدا وهي من المواضيع الحارقة حيث أنها أصبحت ظاهرة تتفشى أكثر فأكثر من سنة إلى أخرى وأن الرياضيين الذين يقومون بهذا الهروب الرياضي هم تقريبا من جميع الإختصاصات الرياضية وخاصة الرياضات الفردية وما يزيد الأمر تفشيا واتساعا هو نجاح بعض الرياضيين في تطوير مسيرتهم الرياضية بعد الهروب لإحدى البلدان الأوروبية وهو عامل يشجع المزيد من الرياضيين على السير على منوال من سبقهم فيبدو أن بالتخطيط لعملية “الهروب” ويترصدون الفرصة المناسبة لذلك خاصة حين يشاركون باسم تونس في المسابقات والتظاهرات العالمية .
ويضيف ساسي بأن الأمثلة عديدة على غرار البطل التونسي في الملاكمة نوفل بالرابح الذي شارك مع الوفد التونسي في الألعاب الأولمبية التي دارت بسيدني سنة 2000 وهروب في أستراليا ليصبح بعد ذلك بطلا هناك وخاض ايضا نهائي بطولة العالم في لاس فيغاس بعد ذلك ووجد كل الإحاطة من ناديه الأسترالي وأيضا منير اللزاز في رياضة الكونغ فو الذي هرب الى كندا وأصبح حاليا أحد الأبطال العالميين وأيضا بطل رياضة المصارعة سليم الطرابلسي الذي غادر مقر التربص في بولونيا قبل الألعاب الأولمبية ريو دي جانيرو سنة 2016 .
وواصل حلمي ساسي “كما شهدت سنة 2006 وتحديدا في بطولة العالم العسكرية للملاكمة التي أقيمت بألمــانيـا هروب 6 ملاكمين تونسيين بالإضافة إلى هروب 3 لاعبين من رياضتي الجمباز ورفع الأثقال خلال ألعاب البحر الأبيض المتوسط سنة 2018 بتاراغونــا الإسبانية وعديد الاسماء الأخرى في كل الرياضات الفردية تقريبا”.
أسباب متنوعة لهروب الرياضيين
ويشدد ساسي على أن الأسباب التي تجعل الرياضيين يهربون ويلجئون إلى بلدان أوروبية هو التهميش والوضعية الإجتماعية الهشة جدا خاصة بالنسبة لرياضيي الرياضات الفردية الذين يفتقدون لأي متابعة اجتماعية ونفسية كما أنهم لا يحصلون على أي منح من سلطة الإشراف والجامعات التي ينضوون تحت امرتها، مضيرا إلى التقصير في مثل هذه الحالات يشمل جميع الأطراف المتداخلة من وزارة الشباب والرياضة ووزارة الشؤون الاجتماعية والجامعات الرياضية والدولة ككل التي لا تعطي الاهتمام الكافي لمثل هذه الرياضات ورياضييها على مدار السنوات الأخيرة.
كما يضيف محدثنا بأن المتطلبات التي يمكن لها أن توفر ظروفا مريحة نوعا ما لرياضيي النخبة في الرياضات الفردية ليست باهضة أو مجحفة بل هي لا تتعدى منحة محترمة لكل رياضي بشكل شهري وبعض الإحاطة بالإضافة إلى توفير المناخ المناسب لممارسة هذه الرياضات خاصة أنها تجبر العديد من الرياضيين مثلا على الانقطاع عن الدراسة بسبب قلة الإمكانيات وعدم ملائمة الزمن المدرسي مع أوقات تدريبات هؤلاء الرياضيين الذين هم في آخر المطاف جنود لتونس ويدافعون عن علمها أينما حلوا ونافسوا على الميداليات والبطولات.
ويؤكد حلمي ساسي على أن الأرقام التي تشير إلى هروب حوالي 250 رياضي في العشرين سنة الأخيرة تقتصر فقط على الرياضيين الذين هم من رياضيي النخبة ولو تمت عملية تدقيق لكان العدد أكبر بكثير بحكم أن العديد من الرياضيين الآخرين يلجؤون لعملية الهجرة غير النظامية العادية على قوارب الموت رفقة مواطنين عاديين وهو أمر يزيد من حجم وعمق هذا الملف الشائك في كل مرة.
ولعل أبرز مثال على هذا هو هجرة بطل تونس وصاحب فضية البطولة العربية للناشئين للملاكمة محمد الهادي القاسمي الذي انضم الى عملية “حرقــة” رفقة مواطنين عاديين في الفترة الأخيرة ونشر صوره على قارب الموت، في وقت تتحدث فيه بعض المصادر عن تواجده الآن في مالطة رغم أنه من المفروض أن يكون هذه الأيام رفقة المنتخب الوطني للملاكمة في تربص الجزائر.
وفي الحديث عن الظروف الموجودة في تونس حاليا، يقول حلمي ساسي أن بطل تونس في أغلب الرياضات الفردية لا يتحصل على أي مبلغ مالي أو منحة تتويج بل حتى ان تلقى بعض الوعود من الجهات المعنية وسلطة الاشراف تكون مجرد وعود مزيفة وواهية وهو ما يجعل حتما الكثير منهم يضطرون إلى التكفل بأنفسهم والانفاق من مالهم الخاص، بل أن الرياضيين الشبان يعجزون في أغلب الأحيان حتى عن توفير بعض الدنانير للتنقل مما يجبرهم على استعمال النقل العمومي بطرق غير قانونية بسبب وضعيتهم المادية الكارثية ان لم نقل أكثر من ذلــك.
الأزمة الاقتصادية تلقي بظلالها
وفي طرح آخر، يرى محللون رياضيون أن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها تونس، نزلت بالرياضة من سلم أولويات الدولة وجعلتها لا تقوى على دعم الرياضة وخاصة الرياضات الفردية التي تتسم بمحدودية مداخيلها، حيث كانت الألعاب الفردية تحظى بأهمية بالغة من قبل المسؤولين عن الرياضة في السابق، إذ منحت الوزارة منحا مالية كبيرة للرياضيين الذين حققوا نجاحات في الألعاب المتوسطية، التي احتضنتها تونس عام 2001 لكن هذا الأمر تراجع كثيرا في السنوات الأخيرة.
هذه الأزمة الاقتصادية انعكست سلبا على الميزانيات المرصودة للرياضيين والمنح التحفيزية، الأمر الذي أفرز تقهقرا في نتائج التونسيين في الألعاب المتوسطية أو الأولمبية، ودفع مزيدا من الرياضيين إلى اتخاذ قرار الهجرة لتأمين مستقبل أفضل.
ومن وجهة نظر آخرين ، فإن ظاهرة “الحرقة” لدى الرّياضيين ستتواصل في ظل الأزمة المالية التي تعيشها تونس، داعيا إلى اعتماد استراتيجية واضحة من شأنها إعادة هذه الاختصاصات إلى سابق بريقها، كما أن عددا من الدول الأوروبية على غرار بلجيكيا تمكنت من استقطاب ملاكمين تونسيين موهوبين، والذين لم يتمكنوا من مواصلة أنشطتهم الرياضية في بلدهم على غرار الملاكم أيوب النفزي الذي هاجر إلى هناك منذ سنوات ولا يزال يواصل نشاطه كمدرب إلى حد اللحظة.
وتدفع هذه الهجرة الغير نظامية للرياضيين، تدفعهم للتضحية بمسار طويل من التدريبات للعيش كمهاجرين سرّيين في الدول الأوروبية، مما يفرض على عدد كبير منهم الدخول في متاهات سواء كانت بخوض مباريات غير قانونية لجلب الأموال وتحسين وضعيتهم في الدول التي يهاجرون اليها مما يعرضهم لخطر كبير سواء فيما يتعلق بالناحية الرياضية بفقدان وضياع مسيرة كاملة أو أيضا بالدخول في مخالفات للقانون وهو ما يجعلهم تحت طائلة تهديدات عديدة هناك.
وتستفيد بلدان غربية من فرار بعض الرياضيين البارزين العرب وتمنحهم جنسيتها من أجل الدفاع عن ألوانها فيواصلون تألقهم بعد أن وفرت لهم كل سبل وممهدات النجاح سواء على المستوى الشخصي أو الرياضي والاجتماعي، وفي المقابل يضع رياضيون اخرون حدا لمسيرتهم فور هروبهم بسبب لكن الخاسر الوحيد هي بلدانهم الأصلية.
ولا يختلف الوضع في تونس عن بقية دول شمال افريقيا كالجزائر ومصر والمغرب حيث يفر في أغلب الدورات أو البطولات الدولية العديد من الرياضيين بحثا عن افاق جديدة ومستقبل أفضل بعيدا عن التهميش والإهمال.