19.9 C
تونس
26 نوفمبر، 2024
غير مصنف

خبراء ومختصّون يفكّون الشفرة: التلاعب بالنتائج في كرتنا.. حقيقة أم ورقة ضغط وابتزاز ؟

الرياضية – هاني ابراهمي


تعود في كل مرة ظاهرة التلاعب بنتائج مباريات كرة القدم إلى الواجهة في تونس في كل أسبوع تقريبا، فبعد عديد الشبهات في عدد من المباريات (التي تطرقنا إليها سابقا)، يعود الجدل من جديد بعد مباراة الجولة الأخيرة من مرحلة تفادي النزول بين الترجي الرياضي الجرجيسي وأمل حمام سوسة بعد هدف غريب سجله هذا الأخير في آخر ردهات اللقاء، ضمن بفضله البقاء في الرابطة المحترفة الأولى، مع أخبار تفيد بشبهة أخرى في مباراة ترجي جرجيس والاتحاد المنستيري في الجولة 14 من المرحلة الأولى، لتنضاف هذه الشبهة إلى الحالات السابقة التي لم نتعرف حتى الآن عن المذنبين في أي منها وهو ما قد يوحي بوجود بعض التخاذل في انهاء “التحقيقات” التي فتحت في هذا الموضوع وقد يكون لغايات مشتركة بين الأندية والهيكل المشرف على كرة القدم في تونس.
وهنا يطرح السؤال التالي، هل أن التلاعب في كرتنا هو حقيقة أم أنه ورقة ضغط وابتزاز ؟ وهل دور الإعلام يقف عند كشف الشبهات أم أنه مطالب بجلب الادلة ؟


ظاهرة حقيقية وللإعلام دور في كشفها
وفي هذا الإطار يقول المحامي المختص في القانون الرياضي الأستاذ أنيس بن ميم في حديثه مع الرياضية ان القانون عدد 104 يجرّم التلاعب من قبل أي مسؤول أو لاعب أو حكم أو غيره من المتداخلين في مباريات كرة القدم، ومن الناحية الرياضية فإن هذه الظاهرة تمثل خطرا كبيرا على نزاهة اللعبة والمنافسة الشريفة فيها كما أن التلاعب مجرّم رياضيا بواسطة قوانين ولوائح الفيفا والجامعة التونسية لكرة القدم التي ترفض قطعيا مثل هذه التجاوزات قطعيا في مسابقاتها.
ويضيف بن ميم أن التلاعب لا يمكن أن يقبل به أي فريق او أي جامعة مستبعدا فرضية تستر وتخاذل الهيكل الكروي الأول عن مثل هذه الممارسات ومشيرا إلى أن الجميع يجب أن يحرص على تفادي مثل هذه التجاوزات وعدم ممارستها مستقبلا حتى إن حصلت في بعض الحالات خاصة أن العقوبات تكون كبيرة في هذا الأمر وتصل حد الشطب مدى الحياة وايقاف النشاط بالاضافة إلى العقوبات الجزائية التي تصل إلى السجن والخطايا المالية.
ويؤكد بن ميم أن دور الإعلام هام جدا في فضح هذه الممارسات وكل ما من شأنه أن يكون في طريق كشف التلاعب سواء عبر الرهانات الرياضية أو التلاعب والتخاذل على الميدان لصالح فريق معين، كما أن الاعلام اليوم أصبح بامكانه كشف الشبهات بواسطة الصور والفيديوهات وغيرها من الطرق لكي يشهّر بالذين يتجاوزون القانون ويشجعون على مثل هذه السقطات.
ويشدد أنيس بن ميم أنه على الإعلام تناول كل الظاهر في هذا الموضوع وغيره ولكن بكل حيادية وبنفس المسافة عن كل الأندية والابتعاد عن سياسة المكيالين، فأحيانا يتم التشهير والتطرق لموضوع يورط ناديا معينا ثم يتم التغاضي عن نفس الموضوع ان كان يهم ناديا آخر (باستثناء بعض الصحفيين) .
ويقول رئيس لجنة الأخلاقيات بالجامعة التونسية لكرة القدم محمد الهادي الفوشالي في تصريحه للرياضية ان اللجنة تعهدت بملف مباراة الترجي الجرجيسي وأمل حمام سوسة واستدعت كل الأطراف المتداخلة في اللقاء وتلقت التقارير وشاهدت اللقاء، حيث تبين أن هناك توافق على أن المباراة في آخر دقائقها قد شهدت ضغطا من الجماهير على لاعبي ترجي الجنوب مما جعلهم يتوقفون عن اللعب وهو أمر لم يتحدد بعد ان كان تخاذلا ام تلاعبا أم سلوكا غير رياضي أو غيره كما ثبت أنه لا توجد أي شبهات للرشوة أو ما شابه ذلك والاشكال يقع في القرار الذي سيترتب عنه، معتبرا ما حصل للاعبي الفريق المضيف حدثا طارئا ترتيب عنه تسجيل الهدف، مؤكدا أن اللجنة ستتخذ القرار الذي ينصف الجميع، حسب قوله.
ويؤكد الفوشالي أن الإعلام لم يلعب دوره في الملفات السابقة التي تشوبها شبهات تلاعب على غرار مباراة رادس والمحمدية وغيرها وأن الشبهات السابقة كانت دائما متعلقة بالرهانات الرياضية وهو أمر يتجاوز امكانات اللجنة وحتى الجامعة التونسية لكرة القدم باعتبار أن الشركات هي شركات خاصة وغير قانونية، لكن هذه الملفات أحيلت على أنظار النيابة العمومية التي لم تتخذ قرارها في اي منها حتى الآن رغم المطالب التي قدمتها اللجنة لها للإسراع بالبت في تلك القضايا جزائيا.
ويشدد الفوشالي على أن لجنة الأخلاقيات تنتظر مآلات التتبع القضائي في تلك الملفات للتحرك واتخاذ القرارات النهائية والمناسبة، رافضا استباق الأحداث بالحكم على تلك الشبهات قبل البت فيها من القضاء، مشيرا أن بعض المباريات التي كانت فيها شبهات لم يكن يعلم اي لاعب أو مسؤول بما يحدث أثناء المباراة أو قبلها خاصة أن المتراهنين هم مواطنون عاديون في اغلب حالات التلاعب.
ويختتم الفوشالي حديثه بالتأكيد على أن ملفات اتحاد بنقردان والشبيبة القيروانية ورادس والمحمدية وقضية توفيق العجنقي لا تزال تحت أنظار النيابة العمومية إلى اليوم، مكذبا كل الاتهامات التي توجه للجنة الأخلاقيات بالتهاون والمحسوبية ومشددا على أن اللجنة تقوم بعملها على أكمل وجه وتدقق في ابسط التفاصيل وتأخذ كل ملف بكل جدية وهو ما ستواصل القيام به في ملف مباراة الترجي الجرجيسي وأمل حمام سوسة .


لعبة الكواليس وتملص المسؤولين
ويقول المحلل والمحامي الأستاذ فتحي المولدي في حديثه للرياضية ان ظاهرة التلاعب بالنتائج في كرتنا ليست وليدة اليوم بل هي ظاهرة موجودة منذ سنوات مضت والكل يعلم أن العديد من المباريات لا تلعب على الميدان بل في الكواليس، وقد أصبحت اليوم ظاهرة علنية بفضل وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام لكنها تفاقمت بشكل يصفه بالمفزع جدا رغم أن القوانين واضحة في هذا الصدد، مبديا استغرابه من كلام وزير الشباب والرياضة الذي قال انه سيسعى لسن قوانين تجرم التلاعب بالنتائج لأن القانون موجود فعلا وهو قانون 3 أوت 1994 وتحديدا الفصلين 55 و 56 الذين يعاقبان بانزال الفريق المتورط وبشطب اللاعبين المتلاعبين .
ويضيف المولدي بأن الإرادة وتطبيق تلك القوانين هي الحلقة المفقودة في هذه السلسلة، مؤكدا ضرورة التحلي بالإرادة وتطبيق القوانين وعدم المواصلة في سياسة الأيادي المرتعشة والخوف من الجهات وتسليط العقوبات التي انتقلت من السياسة إلى كرة القدم، وفق تعبيره.
كما يؤكد محدثنا أن المسؤولين اليوم أصبحوا يهربون من تحمل مسؤولياتهم وهو امر يتنافى مع الآلية القانونية التي تملكها الجامعة التونسية لكرة القدم في التعهد التلقائي بمثل هذه الملفات الخطيرة وهي آلية تفرض عليها اتخاذ القرارات اللازمة دون الرجوع إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم أو حتى لجنة الأخلاقيات التابعة لها خاصة إن تعلق الأمر بالملفات الحارقة كالتلاعب وما تبعه، متطرقا إلى مثال الملعب التونسي في الجولات الأخيرة من الموسم المقبل عندما أصبحت الأندية التي تواجه خطر النزول تحصد الانتصار تلو الآخر في الأربع جولات الأخيرة رغم أن بعضا منها لم يحصد سوى انتصارين على أقصى تقدير في كل الجولات منذ انطلاق ذلك الموسم، وهو أمر غير بريء بالمرّة وملمحا إلى أن الملعب التونسي لو كان يمثل ولاية بمفرده لما حصل ما حصل في إشارة لانحياز القائمين على كرة القدم التونسية لصالح أندية دون أخرى.
ويقول فتحي المولدي أيضا ان شجرة العبور لكأس العالم لا يمكنها أن تحجب غابة من التلاعب والابتزاز و”التكمبين” والفساد في كرة القدم التونسية معتبرا أنه المسؤولين يهربون ويتملصون من هذه المسؤوليات، مشيرا إلى أن دور الإعلام وضع اليد على الدّاء لكن الإعلام أيضا يخشى الدخول في منطق الجهويات واشعال الفتنة وخاصة الصحفيين الجهويين عادة ما يكونون ممنوعين بطريقة غير مباشرة من كشف الحقائق بما أنها تمس من أندية جهاتهم وهو ما يجعلهم يتفادون الخوض في هذا الموضوع معتبرا اياهم ضحية أيضا خاصة أن المسؤولين ومراقبي المباريات والحكام هم المطالبون بنقل التجاوزات دون تزييف أو تغيير للوقائع وهم من يجب عليهم كشف الأدلة والإدلاء بها.
ويقول الحكم الدولي السابق مكرم اللقام في حديثه مع الرياضية ان المنظومة ساهمت في وجود التلاعب بنتائج المباريات وأن مباراة ترجي جرجيس وأمل حمام سوسة قطرة من بحر لعديد التلاعبات التي حصلت سابقا مثل ما حصل الموسم المقبل عندما أُنقذ النادي البنزرتي من النزول وأُنزل الملعب التونسي وما حصل لقوافل قفصة مع اتحاد بنقردان في لقاء الباراج الشهير وغيره بالاضافة إلى صعود بعض الأندية للرابطة المحترفة الأولى وهي لا تستحق ذلك كما حصل مع أندية أخرى توجت بألقاب لا تستحقها .ويؤكد اللقام أن المنظومة تقوم بما يتماشى مع أهوائها ورغباتها وقد ساهمت  خاصة عندما يتكرر التلاعب في أكثر من مباراة وبطرق واضحة ويقتصر رد فعل الجامعة التونسية لكرة القدم فقط على نشر البلاغات دون موجب، معتبرا اياه تطبيعا مع التلاعب بتفويض من المنظومة التي تتهرب من تطبيق قانون الجامعة فتلجأ للنيابة العمومية والفيفا لمزيد المماطلة .
ويضيف اللقام أن أصدقاء المنظومة والمقربين منها لهم حصانة من العقاب وهو ما يجعل من الحسم في هذه الملفات امرا غير مرغوب فيه وأيضا ورقة في يد فئة معينة ضد فئة أخرى وفي حالة اتخاذ قرارات حاسمة فإن الأمور قد تخرج عن سيطرة الحاكمين بأمرهم، فتكون البلاغات والكلام الفضفاض ملجئا لهم .

آخر الأخبار