الرياضية – هاني ابراهمي
تزامن كشف الناخب الوطني جلال القادري عن قائمة المنتخب التونسي لمباراتي غينيا الإستوائية وبوتسوانا ودورة كيرين الودية، مع ترسخ أقوى لفكرة التمثيل الضئيل للاعبين الناشطين بالرابطة المحترفة الأولى في قائمات المنتخب في السنوات الأخيرة، فالقائمة الحالية لم تضم سوى 4 لاعبين من البطولة (دون احتساب حراس المرمى بما أنه اختيار اجباري بما أننا لا نملك حراسا محترفين خارج تونس في مستوى المنتخب) وهو ما يطرح عديد التساؤلات حول انتاج المواهب على مستوى الأندية ومدى نجاح هذا الأمر الذي يبدو نسبيا.
ويبقى السؤال المطروح في هذا الصدد، هل أن بطولتنا عاجزة عن انتاج المواهب ؟ وهل أن هذا الفشل يبرره البعض ويغطّيه بانتقاد اللاعبين الأجانب في تونس ؟
ضعف التكوين ونقص الإمكانات سبب تهميش المواهب
سؤال يجيب عنه المدرب رمزي جرمود في حديثه مع الرياضية حيث يقول ان تكوين المواهب على مستوى الأندية يشوبه إشكال عميق في السنوات الأخيرة، ووجود طه ياسين الخنيسي الذي بقي أكثر من 7 أشهر دون نشاط، في قائمة المنتخب بالاضافة إلى سيف الدين الجزيري الذي فقد مكانه كأساسي مع الزمالك منذ فترة ، هو أكبر دليل على ضعف التكوين في الأندية في تونس حاليا، وفق قوله.
ويضيف جرمود أن تموقع محمد علي بن رمضان ضمن هدافي البطولة هذا الموسم رغم أنه لاعب وسط ميدان هو دليل على افتقار البطولة المحلية للاعبن الهجوميين ذوي الجودة التي تسمح لهم بتقمص أزياء المنتخب، مشيرا في الآن ذاته إلى أن أفضل لاعب على المستوى الفني من الناحية الهجومية في الرابطة المحترفة الأولى في الوقت الحالي هو زهير الذوادي الذي أظهر امكانات هائلة رغم تقدمه في السن.
ويقر المدرب السابق للملعب التونسي بأن وجود عدد كبير من اللاعبين الذين ينشطون خارج تونس في قائمة المنتخب الوطني هو أكبر دليل على وجود اشكال حقيقي على مستوى التكوين وذلك يعود خاصة إلى قلة الموارد المالية والمشاكل المادية التي تحيط بالجمعيات، وعدم توفر الملاعب الصالحة لممارسة كرة القدم في أفضل الظروف خاصة على مستوى أصناف الشبان في جل الأندية دون استثناء، بالاضافة إلى الضغط الهائل الذي يسلطه الأولياء على ابنائهم بدرجة أولى (يظنون أن كل لاعب شاب سيكون نجما في المستقبل) وعلى مدربي الشبان الذين هم أيضا يتعرضون لعديد المشاكل كعدم خلاص جراياتهم لمدة أربعة أو خمسة أشهر في أغلب الأحيان.. وكلها عوامل تصعب التكوين وانتاج المواهب.
كما تطرق جرمود لدور الأكاديميات الخاصة في تونس التي حادت عن هدفها الحقيقي وهو تكوين المواهب وصناعة اللاعبين المميزين واتجهت للأغراض التجارية والغايات الربحية .
ويضيف محدثنا بأن سوء استقدام اللاعبين الأجانب في بطولتنا وتراجع قيمتهم الفنية في السنوات الأخيرة مقارنة بمن سبقهم من لاعبين أجانب مميزين وذلك يعود حسب كلامه لضعف الامكانات المادية للأندية التونسية مقارنة بالمصرية مثلا أو المغربية، وهو ما أدى طبعا لحصول الأندية في الدول المجاورة على أفضل اللاعبين في القارة الإفريقية فيما أصبحت البطولة التونسية وجهة للاعبين الأجانب المتواضعين فنيا وهو عكس ما كان يحصل سابقا حين كانت تونس بمثابة محطة لأبرز اللاعبين الأفارقة للانضمام لأندية أوروبية وهو ما انعدم في الوقت الحالي.
ويقول اللاعب الدولي السابق وليد الهيشري في حديثه مع الرياضية في هذا الصدد ان تكوين المواهب في كرة القدم التونسية هو موضوع شائك وواسع خاصة أنه عاصر شخصيا في أواخر التسعينات دخول المدربين الفرنسيين الذين يمثلون المدرسة الفرنسية إلى تونس وتحديدا سنوات 1997 و 1998 و 1999 حين كان الافريقي والترجي والنجم الساحلي والنادي الصفاقسي يركّزون مجهوداتهم في تكوين اللاعبين الشبان ويحرصون على جلب اطارات فنية خاصة بهذه الأصناف وهو ما نتج عنه في تلك الفترة تحصيل عدد هام من اللاعبين الموهوبين الذين أفادوا أنديتهم والمنتخب انذاك.
ويضيف الهيشري بأن نقص الامكانات البشرية واللوجيستية وخاصة المادية قد أفضى إلى فقر على مستوى انتاج المواهب، ففي أغلب الحالات يصعد لاعبان أو ثلاثة على أقصى تقدير للفريق الأول من جملة عشرات ومئات اللاعبين الشبان مؤكدا أن المدربين الذين كانوا سابقا يحرصون على اكتشاف المواهب في الأندية وتأطيرهم وتكوينهم قد تضاءل عددهم بشكل واضح للعيان بالإضافة إلى أن عقلية اللاعب اليوم قد تغيرت مقارنة بالعقود الماضية من الزمن .
ويشدد الهيشري على أن الجيل الحائز على كأس افريقيا سنة 2004 مع المنتخب التونسي كان من أبرز مكوناته اللاعبين مزدوجي الجنسية الذين جلبهم روجي لومار ومن معه كلهم قدموا الإضافة للمنتخب وساهموا في التتويج باللقب الوحيد لتونس في الــكان، لكن الوضع قد اختلف حسب قوله اليوم فلم يعد المنتخب يملك لاعبين ذوي جودة ينشطون خارج تونس ، فحتى من يتم استقطابهم من قبل الجامعة بقي أغلبهم يغيبون تارة ويحضون تارة أخرى في المنتخب بسبب تذبذب مستواهم الفني، ونفس الأمر بالنسبة للبطولة المحلية التي لا يمكن أن تفيد نسور قرطاج بأكثر من 7 أو 8 لاعبين في أقصى الحالات .
وأكد الهيشري في ختام تصريحه أن اللاعبين مثل الصغراوي والشيخاوي والجلاصي من الاتحاد المنستيري والحرزي والقروي والنصراوي من النادي الصفاقسي والعمري وعبيد والضاوي من النجم والغندري والعزوني والشماخي من الافريقي والشعلالي وبن رمضان من الترجي هم فقط من يمكن لهم تمثيل المنتخب في الفترة الحالية وهو عدد محتشم مقارنة بالتمثيل والنصاب الذي كان في سنوات سابقة ليست بالبعيدة.
فشل استقدام اللاعبين الأجانب ذوي القيمة الفنية العالية
ويقول الصحفي علي الخميلي في تصريحه للرياضية ان الإعتناء بتكوين المواهب هو من آخر اهتمامات الجامعة التونسية لكرة القدم وهو الهيكل الذي يبقى دائما مطالبا بتطوير اللعبة في تونس حيث لم يساهم في تطوير مجال الشبان الذين يمثلون عماد المستقبل والقنديل الذي يضيئ السنوات القادمة، مضيفا ان المسؤولين دائما ما يتكلمون عن العناية بالتكوين لكن كلامهم يبقى دائما فضفاضا وغير مكرّس على أرض الواقع فيبيعون الوهم.
كما يشير الخميلي إلى أن الصفقات التي تبرمها الأندية مع اللاعبين الأجانب سواء من بلدان المغرب العربي أو بلدان افريقيا جنوب الصحراء لم تجلب للبطولة إلا اللاعبين المتواضعين لأن الجامعة لم تفرض التعاقد مع الأجانب إلا في حالة لعب اللاعب لعدد كبير من المباريات مع منتخب بلاده الأول وهو ما جعل من اللاعبين الأفارقة يأتون إلى تونس بصفقات متدنية ماديا وأحيانا حتى مشبوهة بما أن عديد المسؤولين في الأندية يتجهون نحو السمسرة وأيضا بعض المقربين من الهيكل الجامعي الذين لهم علاقات مسبوهة ببعض السماسرة ويجلبون ما أسماهم بـ”أشباه اللاعبين” ثم يفرضون تواجدهم على أرضية الميدان ومشاركتهم في المباريات وهو ما يمنع صعود اللاعبين الشبان في أنديتهم ويقضي على آمالهم في لعب دور بارز سواء مع أصناف الأكابر في أنديتهم أو في المنتخب الوطني .
ويشدد الخميلي على أن نتائج المنتخبات الوطني من الأصاغر إلى منتخب الأواسط وحتى الأولمبي الضعيفة في السنوات الأخيرة وغياب تونس عن الأحداث الكروية كالألعاب المتوسطية ومنافسات مسابقة كرة القدم في الأولمبياد هو أكبر دليل على ضعف تكوين المواهب وغياب الفرص الحقيقية للاعبين الشبان للبروز وفرض أنفسهم مع أنديتهم خاصة في المراحل الأخيرة للتكوين بالاضافة إلى العناية الحصرية من قبل المسؤولين بأصناف الأكابر على حساب بقية الأصناف، هو أمر يزيد من تعميق الازمة وتوسعة الفجوة بين المواهب التونسية وبقية البلدان المجاورة على الأقل.
كما أشار محدثنا إلى أن غياب التأطير صلب الأندية هو واحد من أبرز العوامل التي صنعت هذا الفشل الذريع على مستوى التكوين خاصة أن الأندية اليوم أضحت تعيش هي الأخرى أزمات مالية متتالية تزداد عمقا موسما تلو آخر .
ويقول اللاعب السابق والمدرب منعم الدربالي في حديثه مع الرياضية ان الأندية التونسية وخاصة منها الرباعي التقليدي الذي يراهن في كل موسم على الألقاب يملكون لاعبين مميزين في أصناف الشبان لكن ما يعيب عنهم في هذه الحالة هو تهميش هؤلاء الشبان حين يتعلق الأمر بتصعيدهم للفريق الأول ويتجه مسؤولو الأندية نحو السوق الأجنبية خاصة منها السوق الجزائرية وبدرجة أقل الليبية في الفترة الماضية قد أضر كثيرا ومحى كل فرصة كان سيتمتع بها أي لاعب محلي شاب، مضيرا إلى أن قانون عدم احتساب اللاعبين المغاربيين (نسبة عن المغرب العربي) أجانب في الرابطة المحترفة الأولى قد أضر بكرة القدم التونسية بشكل فادح.
ويؤكد الدربالي أن الأندية التونسية تزخر بالمواهب وأكبر دليل على ذلك هو اعتماد النادي الافريقي في مرحلة على لاعبيه الشبان ثم النادي الصفاقسي والنجم الساحلي لكن هذا الأمر جاء اضطراريا بالنسبة للأندية بما أنها حين اعتمدت على مواهبها كانت تواجه عديد المشاكل المادية كما أن المنع من الانتداب جعلها تفعل ذلك، وهو ما يعتبر مناخا غير ملائم لبروز اللاعبين من أبناء هذه الأندية، عكس النادي الرياضي البنزرتي الذي لعب هذا الموسم بأبناء مركز تكوينه من اللاعبين وأنهى الموسم في مركز مريح في وسط الترتيب عكس الموسمين الفارطين الذي كان فيه فريق عاصمة الجلاء على ابواب النزول للرابطة المحترفة الثانية، وفق تعبيره.
كما وضح الدربالي أن اللاعبين الأجانب الذين أصبحوا يحطون الرحال بالبطولة التونسية متواضعون فنيا وهم لاعبو صف ثان وثالث في افريقيا عكس نظرائهم في السنوات الفارطة، ويتخذ محدثنا من بعض لاعبي النادي الافريقي كمثال على غرار يوسف سنانة وآدم قرب اللّذان جاء صعودهما للفريق الأول في ظروف صعبة جدا يمر بها النادي بالاضافة إلى ضغط الجمهور الذي يطالب بالنتائج الفورية في الأندية الكبرى بصفة عامة .