الرياضية – هاني إبراهمي
عادت ظاهرة العنف في الملاعب والقاعات الرياضية إلى الواجهة في الفترة الأخيرة وخاصة مع الأحداث التي وقعت في نهائي كأس تونس لكرة اليد بين النادي الإفريقي والترجي بالقاعة المغطاة برادس حيث كادت الساحة الرياضية التونسية تشهد حالة وفاة في صفوف أحد الجماهير وهي “الطامة الكبرى” لو فرضنا حدوث ذلك.. ومن ألطاف الله أن الحادثة مرّت بسلام.
وفي خضم تسارع الأحداث ورمي الإتهامات يمينا ويسارا من قبل المتداخلين في المشهد الكروي القاتم ببلادنا، تناثرت بعض التهم في التسبب في هذه الظاهرة لبعض الأطراف المتداخلة كالجهاز الأمني ولجان التنظيم وحتى المسؤولين في الأندية حيث اتهموا بالتساهل مع الجماهير وهو ما أدى إلى تفشي وارتفاع منسوب العنف في رياضتنا لكن الأمر المريب في الموضوع أنه في كل مرة تقع أحداث مشابهة للتي وقعت في مباراة كرة اليد. وككل مرة وبكل بساطة يتم لملمة الموضوع بتقديم وعود بفتح تحقيقات وتسليط بعض العقوبات سواء المادية أو بالحرمان من الجماهير كأقصى عقوبة وهو ما يوحي بتساهل الدولة مع هذه الظاهرة الخطيرة التي قد تقودنا إلى نتائج وخيمة للغاية رغم أن كل ممثلي المؤسسة الأمنية أكدوا في مناسبات عدة استعدادهم وتجندهم لحسن التنظيم رغم وجود بعض الاستثناءات الخارجة عن النص.
ويبقى السؤال المطروح في هذا الصدد حول أسباب تفشي هذه الظاهرة.. فهل أن الجماهير الرياضية أصبحت مقتنعة بالافلات من العقاب وبحمايتها من قبل أنديتها ومسؤوليها أم أن شعور الجماهير بتعرض أنديتهم للظلم من قبل الهياكل الرياضية هو من أشعل نيران الفوضى ؟
الإفلات من العقاب
سؤال يجيب عنه اللاعب السابق للمنتخب الوطني والمتوج بكأس افريقيا 2004 أنيس العياري في حديثه مع الرياضية حيث يقول ان الجماهير الرياضية بصفة عامة بلغت اليوم إلى مرحلة ترفض فيها تقبّل هزيمة فريقها على الميدان في خضم غياب تام للتحلي بالروح الرياضية والإيمان بالمنافسة الشريفة، بل حتى أن الأندية بحد ذاتها قد أضحت جميعها تريد تحقيق الانتصارات والتتتويجات وترفض الهزيمة بكل أشكالها، وهو ما أدى إلى تفشي التعصب والعنف.
ويضيف العياري أن الأندية أخلّت بدورها وتحديدا بالنسبة لخلايا الأحباء التي لم تعد تؤطر الجماهير المنضوية تحت سلطتها بالشكل المطلوب، كما أن المسؤولين الذين تختارهم الأندية للإشراف على هذه اللجان غير مؤهلين لهذه الخطة في أغلب الأحيان.
ويؤكد اللاعب السابق للملعب التونسي أنه على الدولة أن تمسك بزمام الامور وتقر عقوبات صارمة وردعية ضد كل من يتجاوز القانون في الملاعب والقاعات الرياضية سواء بالعنف أو حتى عند رمي المقذوفات وغيرها من التجاوزات المشينة، مشيرا في الآن ذاته إلى أن هذه الظاهرة هي نتاج لسنّة الإفلات من العقاب التي يتبعها جزء كبير من الجماهير ولامبالاة جزء آخر من الجماهير بالالتزام بالقانون حتى أن الأرواح البشرية أضحت في خطر داهم وهو أمر لا يمكن يتقبله خاصة ان كان بسبب مباراة في كرة القدم أو اليد أو السلة أو غيرها من الرياضات الجماعية.
وشدد أنيس العياري على أن الدولة مطالبة بسنّ قانون واضح للجميع ولكل حالة من حالات العنف كاجتياح الميدان أو رمي المقذوفات وغيرها من التجاوزات داخل الفضاءات الرياضية لكي يتحمل كل طرف مسؤوليته كاملة ويلقى جزائه ليكون عبرة لمن يعتبر.
ويقول الصحفي والمعلق الرياضي رفقي بوستة في حديثه للرياضية حول هذا الموضوع ان الجمهور الرياضي في تونس بصفة عامة يدرك جيدا غياب القوانين والقرارات الردعية بالاضافة إلى سوء تنظيم المباريات والتقصير الذي قد يكون حتى متعمدا من بعض الجهات المسؤولة وهو ما يجعل من ظاهرة العنف تتنامى بشكل سريع رغم أنها موجودة في الرياضة التونسية منذ عشرات السنين.
كما أكد بوستة أن الهياكل الرياضية بصفة عامة وخاصة وزارتي الداخلية والشباب والرياضة والجامعات الرياضية كلها مساهمة في ما يحصل اليوم بسبب غياب القرارات الصارمة وسوء التنسيق، بالاضافة إلى كثرة الجلسات والإجتماعات بعد كل أحداث عنف دون أن تسفر عن أية قرارات واعية، بل أنها كانت محتشمة في أغلب الأحيان وغير فعالة في أحيان أخرى.
كما تطرق محدثنا الى دور المسؤولين الرياضيين في الأندية الغائب تماما، حيث أن هؤلاء هم من ينقلون الأجواء المشحونة من أرضية الميدان للمدرجات بين الجماهير بتصريحاتهم اللامسؤولة وبتصرفاتهم غير اللائقة في بعض الأحيان، خاصة ان كانوا يجهلون القيم الرياضية والأولمبية ولا يتحلّون بها.
وأكدر فقي بوستة أن غياب الومضات والحملات التحسيسية لتوعية الجماهير وخاصة ان كانت تلك الحملات من طرف الأندية بالاضافة إلى إعتماد أمن الملاعب أو ما شابه مثل (LES STADIERS) هو عنصر مساهم بقوة في تفشي هذه الظاهرة خاصة منذ الثورة .
ظلم الأندية يشعل النيران
في المقابل يوجد رأي آخر مخالف نسبيا لما سبق، ويعبّر عنه المسؤول السابق بالنادي الإفريقي فهمي العميري في حديثه مع الرياضية، أن مواقع التواصل الإجتماعي ساهمت بقوة في انتشار ظاهرة العنف داخل المنشآت الرياضية خاصة أن الجمهور متكون أساسا من فئة الشباب الذين ينتشر لدى أغلبهم الإحساس بالظلم من قبل الدولة والهياكل الرياضية ضاربا مثال قضية المرحوم عمر العبيدي التي تبنتها جماهير مختلف الأندية وما يحصل في عمليات بيع التذاكر بالاضافة إلى عدم اشراك هذه الفئة في اتخاذ القرارات المتعلقة بهذا الموضوع من طرف القائمين على شؤون الرياضة التونسية وهو ما يولد حالة من الاحتقان والغضب الذي يتنامى يوما بعد يوم .
وأوضح العميري أن غياب التأطير والتوعية بالنسبة للجماهير هو أحد أهم الأسباب بما أن مجموعات الجماهير لم تتلق توعية خاصة فيما يتعلق بخطورة استعمال الشماريخ وغيرها من الألعاب النارية في الملاعب وخاصة في القاعات، وهو أمر يدل على عدم اصغاء أي طرف لهؤلاء الشباب ليجد نفسه يتصرف بتهوّر في أغلب الأحيان.
كما حمّل المسؤول السابق بالنادي الإفريقي المسؤولية في جزء منها للدولة باعتبارها لا تزال تتبع “البيروقراطية” المقيتة فيما يتعلق بالرياضة، فلا يزال الجمهور يتحمل عناء الوقوف في طوابير اقتطاع التذاكر لساعات طويلة وفي ظروف سيئة للغاية ثم يجد نفسه مجبرا على التنقل لكيلومترات للوصول إلى المنشآت الرياضية في غياب تسهيلات الدولة من ناحية التنقل كذلك، وغيرها من الظروف الصعبة التي يعاني منها الجمهور الرياضي في تونس بصفة عامة، وفق تعبيره.
ويرى رئيس اللجنة القانونية للترجي الرياضي التونسي رياض التويتي أن تفشي العنف في المنشآت الرياضية يعود إلى عدة أسباب كغضب الجماهير وعدم خشيتهم من العقاب القانوني وأيضا التساهل مع المذنبين والتهاون في تطبيق القانون.
كما أشار التويتي إلى أن هذا الصعود الصاروخي لظاهرة العنف ليس بمحض الصدفة، بل أن هناك عديد التساؤلات التي تطرح وعديد الشكوك حول الأطراف الحقيقية التي تقف وراء هذا العنف، الذي يعتبره أيضا كان موجودا منذ الستينات والسبعينات في تونس والعالم، وفق قوله، مضيفا أن العنف الذي تشهده المنشآت الرياضية في تونس حاليا ليس إلا أمرا مدبرا .
وشدد رئيس اللجنة القانونية للترجي على أهمية الجمعيات في توعية جماهيرها وتوجيهها حتى بالبلاغات كما فعل كل من الترجي والافريقي والاتحاد المنستيري مؤخرا، معتبرا ما حصل في الآونة الأخيرة في عدد من المنشآت الرياضية في تونس أمرا غير بريء بالمرة ساهم فيه مندسون واصفا ما حدث بـ”غولة دخلت في كل الجماهير”.
وفي ما يتعلق بالحلول المناسبة للحد من هذه الظاهرة والقضاء عليها نهائيا، أكد رياض التويتي أنه لا فائدة من ايجاد الحلول دون الكشف في مرحلة أولى عن المتسببين الحقيقيين في ما يحصل والتعمق في الأسباب الأساسية لهذه الظاهرة المستجدة.
ومن الجانب الحقوقي، يقول نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسّام الطريفي في حديثه للرياضية أن الأسباب تختلف وتتنوع لظاهرة العنف في المنشآت الرياضية، فالبيئة والمجتمع والظروف الاقتصادية تلعب دورا رئيسيا في تزايد هذه الظاهرة لكن في الحالات الحالية فإن الشعور بالظلم والضيم جراء اختلال موازين القوى ليس على الميدان فقط بل في الكواليس وما يتبعه .
كما أوضح الطريفي أن استفزاز القوات الأمنية للجماهير في بعض الأحيان هو أيضا سبب واضح ورئيسي في ما يحصل هذه الأيام خاصة أن المشجع يتلقى عنفا مجانيا من القوات الحاملة للسلاح منذ دخوله للملعب، مشيرا إلى أن القوانين السجنية والمحاكمات للمشجعين ليست هي الحل بما أن الأندية مطالبة بتأطير جماهيرها رفقة الهياكل الرياضية المشرفة على كل رياضة .
وشدد بسّام الطريفي في كلامه على أن العنف هو ثقافة مجتمعية، ولذلك يجب ان يتم القضاء على العنف في المجتمع للحد منه في الملاعب، ضاربا مثال الدول الأوروبية التي توصلت للقضاء على هذه الظاهرة كانقلترا وايطاليا وغيرهما، رغم وجود مجموعات متعصبة للغاية في تلك البلدان.
هذا وقد أكد نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان أن استعمال الدولة للـ”عصا الغليظة” ليس الحل المناسب بالمرة، إن أرادت فعلا الحد من هذه الظاهرة الخطيرة أو القضاء عليها كليّــــا.
*هذا المقال صدر بالنسخة الورقية بتاريخ الاثنين 16 ماي 2022