الرياضية – هاني إبراهمي
تداول عدد من المتداخلين في الشأن الكروي التونسي خلال الأيام القليلة الماضية عبر مختلف المنابر الإعلامية وحتى على مواقع التواصل الاجتماعي، المقاربة بين الأداء والنتيجة في مشوار الأندية ببطولة الرابطة المحترفة الأولى في الأسابيع الأخيرة ومدى اقترانهما ببعض خاصة أن الأمثلة في هذا الصدد عديدة، فمثلا في الترجي الرياضي غابت النتيجة في مبارتي النجم الساحلي وأمل حمام سوسة وحضر الأداء الملفت وأيضا في الإفريقي الذي حقق في أغلب مبارياته الفارطة النتائج وجمع نقاط الانتصارات بينما غاب الأداء وجمالية اللعب كما يحلو للبعض تسميتها.
وفي ظل هذا الجدل القائم، يبقى السؤال المطروح حول ماهية هذه المقاربة وان كانت ورقة ضغط لإقالة المدربين كما حصل سابقا مع عديد لأندية أم أنها مقاربة عادية باعتبار أن الأندية وخاصة “الكبرى” منها يجب أن تحقق النتائج وتقدم الأداء المطلوبين في أغلب مبارياتها؟
مقاربة طبيعية وعادية
سؤال يجيب عنه المدرب عصام المرداسي في حديثه مع الرياضية، حيث يقول ان الأندية المستقرة على جميع المستويات هي التي يطالبها الجميع باقتران النتيجة والأداء في أغلب الأحيان خاصة إن كانت تلك الأندية تتمتع برصيد بشري ثري وإمكانات مادية ولوجستية كبيرة، ضاربا مثال الترجي الرياضي التونسي الذي فعل كل شيء أمام النجم الساحلي في ذهاب الجولة الثالثة من دور المجموعات لرابطة الأبطال الإفريقية، لكنه لم ينجح في تحقيق النتيجة المرجوة بما أنه وجد منافسا دافع بإتقان عن شباكه طيلة التسعين دقيقة، مضيفا أن النتيجة ستغيب عند مواجهة منافس يعرف جيدا نقاط ضعف الطرف المقابل وهو أمر يعتبره المرداسي عاديا في كرة القدم.
ويواصل مدرب أولمبيك مدنين حديثه، بأن أندية النادي الإفريقي والنجم الساحلي والنادي الصفاقسي لا يمكن مطالبتها في الوقت الحالي بالأداء العالي في مبارياتها باعتبارها تمر بأوضاع إدارية ومالية صعبة وأن كل المدربين والمسؤولين في النوادي التونسية في الوقت الحالي لا يبحثون إلا عن النتيجة في كل مباراة وهي رغبة فرضها نظام بطولة الموسم الجاري الذي يعتمد على مجموعتين ثم مرحلتي تفادي النزول والتتويج.
كما أشار عصام المرداسي إلى أن المطالب التي تنادي باقتران الأداء بالنتيجة والنتيجة بالأداء في أي فريق، ستزيد من وطأة الضغوطات على الأطر الفنية والمدربين وهو ما يزيد حالة بعض الأندية سوءا في كل مرة، بينما أن تلك الأندية التي تدرك حدودها ومستواها على أرضية الميدان وحدود رصيدها البشري ولا تقيّم المدربين على أساس النتائج، هي التي تنجح في النهاية كأندية مستقبل الرجيش والاتحاد المنستيري والترجي مثلا الذين لا يطرح مسؤولوها هذا الإشكال، حسب قوله طبعا.
ويقول المحلل الفني الصادق قحبيش في حديثه للرياضية، أنه لا يمكن مطالبة الفرق بتحصيل النتائج والأداء في الظروف التي تدور فيها المباريات من ملاعب غير مهيئة واضطرابات في الرزنامة وحالة ميادين سيئة للغاية وتراجع القيمة الفنية للاعبين التونسيين والأجانب الذين تتعاقد معهم الأندية بالإضافة لغياب الإستراتيجية والمخططات الواضحة صلب الجمعيات الرياضية بشكل عام وتغيير المدربين في كل أسبوع تقريبا، مؤكدا أن النادي الإفريقي على سبيل المثال مطالب أكثر من غيره بالأداء خاصة بما أن اللاعبين الشبان من أبناء النادي يمارسون نشاطهم مع فريق الأكابر ويخوضون المباريات معا منذ الموسم قبل الفارط ككل من خليل القصاب واسكندر العبيدي وآدم الطاوس وشهاب العبيدي وغيرهم وهو ما يجب أن يخلق تجانسا على أرض الملعب في الحالة الطبيعية، لكن الوضع الحالي غير ذلك تماما فالفريق لم يرتق أداءه حتى الآن إلى المستوى المطلوب والذي يليق باسمه.
ويستدرك محدثنا في هذا الخصوص رأيه، قائلا ان الترجي هو الآخر يتعاقد مع 3 مهاجمين على أقل تقدير كل موسم كما أنه يملك حاليا 8 لاعبين أو أكثر يشغلون المراكز الهجومية داخل الفريق ورغم ذلك فهو لا يسجل الكثير من الأهداف هذا الموسم في مختلف مبارياته وحتى أمام منافسين أقل منه من ناحية الرصيد البشري والقيمة الفنية للاعبين، كما أن المهاجمين بصفة عامة في بطولتنا لا يسجلون الأهداف رغم أنه دورهم الأساسي ورغم أنها مهمتهم الرئيسية علاوة على خلق الفرص ليست حكرا عليهم فـقط، بل هي مهمة كل اللاعبين فوق أرضية الميدان وحتى المدرب الذي يجب عليه أن يدرب لاعبيه على الوضعيات الهجومية بواسطة التمارين الموجهة لهذه الناحية.
كما يُوضِحُ قحبيش في نهاية كلامه أن المطالبات باقتران الأداء والنتيجة معا وطرح هذه المقاربة في بطولتنا أمر عادي للغاية وطبيعي لكنه لن يكون كذلك إذا غابت النتيجة أو الأداء لفترة طويلة ولمباريات متتالية فهنا يجب التوقف والبحث عن الحلول العاجلة والمؤثرة من قبل الإطار الفني وخاصة من المدرب الأول.
ويقول الزميل الصحفي فؤاد بوفتح في هذا الصدد، ان المقاربة بين الأداء والنتيجة خاصة في النادي الإفريقي والترجي الرياضي حاليا لا يمكنها الإسهام في تشكيل ضغط يترتب عنه إقالة مدربيهما، كما حصل سابقا مع الهولندي “آدري كوستر” وعمار السويح سابقا (على سبيل المثال)، بما أن نسق نشاط بطولة الرابطة المحترفة الأولى غير منتظم ولا يمكنه أن يمنح اللاعبين التدرج بصفة تصاعدية في الأداء إلا إذا لعب الأندية عديد المباريات المتتالية ووجد اللاعبون الديناميكية اللازمة ونسق المقابلات لتقديم المردود المنتظر منهم، وهذا أمر غير موجود حتى الآن في النشاط الكروي في تونس بما أن التقطعات تطغى على رزنامة هذا الموسم منذ انطلاقه تقريبا.
ويؤكد بوفتح أن تعالي الأصوات المنادية بضرورة اقتران الأداء بالنتيجة هو أمر عادي وبريء للغاية إذ أنه موجود في مختلف بطولات العالم وليس حكرا على البطولة التونسية فقط، بل أن جماهير الترجي والإفريقي في الوقت الحالي لا تزال تتفهم هذه الأمور وخاصة من ناحية نادي باب الجديد الذي تبدو هيئته المديرة أكثر رصانة وعقلانية من سابقتها في عهدة سليم الرياحي عندما تمت إقالة المدرب الهولندي رغم أنه يتصدر ترتيب البطولة آنذاك، مشيرا في الآن ذاته إلى أن هذه المقاربة يجب أن لا تسيطر على المسؤولين والمحللين والصحفيين عكس الجماهير التي تبقى دائما عاطفية فتقوم بردود أفعال اندفاعية حبا في أنديتها وغيرة عليها.
ورقة ضغط لإقالة المدربين
ويوجد رأي آخر مخالف بعض الشيء يعتبر أن هذه المقاربة لا تستقيم في أغلب الأحيان، حيث يعبر عنه المدرب المساعد السابق للملعب التونسي أمير الدريدي الذي يقول في حديثه مع الرياضية ان كلمة “أداء” تدخل ضمن الانطباعات الشخصية في الرياضة بصفة عامة وخاصة كرة القدم بما أن المسابقات لا تعترف إلا بالنتائج فقط سواء في الرياضات الجماعية وحتى الفردية على حد السواء، وأن كل من يربط هاذين العنصرين معا فهو غير واقعي، فحتى المدربين أو المحللين الذين يطالبون يوميا الأندية بالأداء هم نفسهم عندما يشتغلون كمدربين نجد فرقهم لا تقدم المردود المنتظر بل أنهم لا يتحدثون إلا عن النتائج سواء بالخسارة أو الانتصار أو التعادل.
ويضيف الدريدي أن هدف كل مدرب وكل فريق في العالم وليس في تونس فقط، هو الفوز في المباريات وليس تقديم الأداء المميز واللافت وأن هذا الأداء لا يكون فقط في تسجيل الأهداف وخلق الفرص بل أنه يمكن أن يكون في الناحية الدفاعية من خلال غلق المنافذ والمساحات أمام المنافسين والمحافظة على نظافة الشباك وإحكام الحد من خطورة مهاجمي الطرف المقابل، معرّجا في الوقت ذاته على أن المحللين والفنيين ليسوا جميعا يتحدثون عن هذه المقاربة بنوايا حسنة خاصة منهم أولئك الذين لم يحصلوا على الشهادات اللازمة التي تثبت كفاءتهم التدريبية في عالم كرة القدم.
أندية متضررة
ويقول المدير الرياضي للملعب التونسي واللاعب الدولي السابق أنيس العياري ان الأندية تضررت من توقف نشاط بطولة الرابطة المحترفة الأولى فوجدت نفسها تحت ضغط هائل عندما تتالت المباريات في الآونة الأخيرة، لكن المدربين مطالبون بتحقيق النتائج الفورية مع أنديتهم والابتعاد عن البحث عن الأعذار الواهية عندما تغيب النتائج خاصة في ظل نظام البطولة الحالي، مشيرا إلى أن فشل بعض المدربين أو سوء اختيار المسؤولين لممرني أنديتهم، بالإضافة للتقصير من بقية أفراد الأطر الفنية يجعل الأداء غائبا في جل المواجهات فتكون تلك بمثابة الشماعة للمسؤولين لإقالة المدرب والتعاقد مع غيره.
ويؤكد العياري أن الأداء والنتيجة ليسا دائما مقترنان ببعض بل أن الهدف الأول والأساسي في كل مباراة بالنسبة للأندية هو الحصول على الثلاث نقاط، فتقديم حجم لعب جيد في المباريات لا يضمن بالضرورة التتويج بالألقاب أو تفادي النزول (حسب هدف كل فريق)، وأن هذه المقاربة قد تكون في بعض الأحيان ورقة ضغط لإقالة بعض المدربين سواء بقرار من المسؤولين أو بضغط من الجماهير وهو أمر يعتبره محدثنا أمرا لا مفر منه خاصة في الوضعية الحالية لبطولتنا التي تفتقد اللاعبين ذوي القيمة الفنية العالية والدليل على ذلك أن المنتخب التونسي لا يضم سوى لاعبين أو ثلاثة فقط من البطولة المحلية.