في عالم السياسة الدولية، لم تعد القوة العسكرية والاقتصادية وحدها هي المقاييس الأساسية للنفوذ. بل أصبح للثقافة والرياضة دورٌ متزايد الأهمية في تعزيز صورة الدول على الساحة العالمية. ومن بين هذه الأدوات، تبرز كرة القدم كأحد أبرز وسائل القوة الناعمة. دول الخليج، وعلى رأسها السعودية وقطر، أدركت هذا الدور الهام، واستثمرت فيه بشكل استراتيجي لبناء نفوذها وتعزيز مكانتها الدولية. قطر: استثمار ضخم في البنية التحتية والرياضة استثمرت قطر بشكل كبير في استضافة كأس العالم 2022، حيث بلغت التكاليف الإجمالية حوالي 220 مليار دولار أمريكي، شملت تطوير بنية تحتية متقدمة مثل شبكة المترو والمطارات والفنادق. من هذه الميزانية، تم تخصيص 6.5 مليار دولار لبناء الملاعب، بينما تم تخصيص 36 مليار دولار لتطوير بنية النقل والمرافق الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، قامت قطر بالاستثمار في أندية كرة القدم الأوروبية، مثل استحواذها على نادي باريس سان جيرمان الفرنسي المتوج أخيرا بلقب دوري ابطال اوروبا، مما عزز من مكانتها كقوة رياضية وثقافية عالمية. السعودية: تحول رياضي استراتيجي منذ إطلاق رؤية السعودية 2030، خصصت المملكة أكثر من 6 مليارات دولار للاستثمار في قطاع الرياضة. هذا الاستثمار شمل تطوير الدوري السعودي للمحترفين، حيث تم جذب لاعبين عالميين مثل كريستيانو رونالدو وكريم بنزيما، مما رفع من مستوى الدوري وجذب الانتباه العالمي. علاوة على ذلك، تعمل السعودية على بناء بنية تحتية رياضية متقدمة، مثل إنشاء ملاعب جديدة وتطوير المنشآت الرياضية القائمة، استعدادًا لاستضافة كأس العالم 2034. من بين المشاريع البارزة، ملعب “أرامكو” في الخبر، الذي تبلغ تكلفته حوالي 1 مليار دولار أمريكي، ومن المتوقع أن يُفتتح في عام 2026. التأثير الاقتصادي والاجتماعي تساهم هذه الاستثمارات بشكل كبير في الاقتصادين القطري والسعودي، من خلال زيادة الإيرادات السياحية، وتوفير فرص العمل، وتعزيز مكانة البلدين على الساحة الدولية. على سبيل المثال، استقطبت فعاليات رياضية كبرى في السعودية أكثر من 2.5 مليون زائر في عام 2023، مما ساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي. تُظهر التجارب القطرية والسعودية كيف يمكن للرياضة، وخاصة كرة القدم، أن تكون أداة فعّالة للقوة الناعمة. من خلال الاستثمارات الاستراتيجية في البنية التحتية واللاعبين والفعاليات الرياضية، تمكنت هاتان الدولتان من تعزيز نفوذهما وبناء صورة إيجابية على الساحة العالمية. مع استمرار هذه الاستثمارات، من المتوقع أن تواصل السعودية وقطر استخدام الرياضة كوسيلة لتعزيز مكانتهما الدولية وبناء علاقات قوية مع الدول الأخرى.