أميمة الجبالي – الرّياضية
“شغل ، حريّة ، كرامة وطنيّة” مطالب كثيرا ما تردّدت على المسامع منذ ثورة “الياسمين” تصدّرها مطلب “الشّغل” أو العمل عقب إنتشار ظاهرة البطالة التي أزّمت الأوضاع الماديّة و الإقتصاديّة و أضحت تعصف بأحلام الخرّيجين كل سنة .. سنوات عديدة إنقضت في الوعود و المفاوضات.. خلّفت آلاف العاطلين عن العمل في سلك أساتذة التّربية البدنيّة ليبلغ عدد العاطلين حوالي 11000 وفق الإحصاءات الأخيرة لسنة 2022 ،و تواترت الإجتماعات و الإتفاقيات منذ سنة 2011 لتفعيل قوانين إنتداب أساتذة التربية البدنية على دفعات و رصد برنامج إنتداب لسدّ الشغور بالمدارس ، إلّا أنّ تغيّر الهياكل الرياضية و سلطات الإشراف في السّنوات العشر الأخيرة عطّل سير المفاوضات.
“الحرقة” و الهجرة الشّرعيّة و حتى طلب اللّجوء السياسي ! حلول مختلفة لجأ إليها أساتذة التربية البدنية العاطلين عن العمل في السّنوات الأخيرة بحثا عن قوتٍ غاب عنهم لسنوات بسبب معضلة البطالة التي تنهش الشّباب و الكهول.
فماهي أوضاع أساتذة التّربية البدنيّة العاطلين عن العمل اليوم ؟ و أي سبل لتفعيل قرار الإنتداب و تجاوز الأزمة؟
الوعود تتهاطل .. و التّجسيم مماطل..
يعيش أساتذة التّربية البدنيّة في السنّوات الأخيرة أوضاعا صعبة تخللتها إحتجاجات عديدة و تهديدات مختلفة بالتصعيد أمام غياب الإنتدابات و تفاقم ظاهرة البطالة في صفوف الأساتذة ، و منذ الثورة ساهمت تغيّر تركيبة سلطات الإشراف في مراحل مختلفة في تعطيل سير المفاوضات بين الممثل القانوني للوحيد للأساتذة (التنسيقية الوطنية لخريجي المعاهد العليا للرياضة والتربية البدنية والتسيير الرياضي للمعطلين عن العمل) ووزارة الشباب و الرياضة ، و قاد الكاتب العام السّابق للتنسيقية محمد ثابت النغموشي سنة 2022 العديد من الوقفات الإحتجاجية في ولايات مختلفة التي طالبت ب”رفع الظلم” عن خريجي القطاع و إنتدابهم عن طرق دفعات خاصّة مع حالات الشّغور التي تشهدها المدارس و المعاهد التّونسية ، و في هذا السّياق صرّحت الأستاذة و منسقّة الإحتجاج السّابق لأساتذة التّربية البدنيّة عن التّعيينات صلب الوزارة نورة الماكني في حديثها للرّياضية أن وضعيّة أساتذة التّربية البدنيّة العاطلين عن العمل متدهورة إذ تتواصل عمليّة إنتداب متخرّجين من دفعة 2011 إلى حدود السّنة الحالية و تمّ تعيين 30 أستاذ فقط مؤخرا في 150 مؤسسة (مدارس إبتدائية) عن ولاية تونس فقط (دفعة 2011) ، و تابعت ماكني أنّ عمليّة الإنتداب و التّشغيل كانت سابقا تتمّ بعد سنة أو سنتين فقط من التخرّج على أقصى تقدير إنطلاقا من المتفوّقين عن الدّفعات إلى حين إستكمال كل طلبة الدفعة بحلول شهر جانفي أو فيفري على أقصى تقدير إلاّ أنه منذ 2011 تتمّ مماطلة الأساتذة سنوّيا و هو ما أفضى إلى 12 سنة من التأخير و تضاعف عدد العاطلين ، و أكّدت الماكني أن عدد المتخرّجين سنويا يفوق 1000 أستاذ من المعاهد الأربع الكبرى (المعهد العالي للرّياضة و التّربية البدنيّة بقصر سعيد/ المعهد العالي للرّياضة و التّربية البدنيّة بالكاف / المعهد العالي للرّياضة و التّربية البدنيّة بقفصة / المعهد العالي للرّياضة و التّربية البدنيّة بصفاقس) ، بالتّالي أكثر من 12000 أستاذ عاطل عن العمل إلى حدود 2023 عقب سنوات التّعطيل و المماطلة و تنصّل الدّولة من وعودها.
و تابعت نورة الماكني في حديثها عن الأوضاع الرّاهنة للأساتذة العاطلين عن العمل: “أوضاع قاسية و مؤسفة يعيشها الأساتذة منهم من تخلّى عن الميدان بعد سنوات البطالة و إختار سبلا أخرى للعيش عبر إختصاصات أخرى أو أعمال حرّة كما حُرم العديد من حقّهم في الوظيفة العموميّة عقب تجاوز سنّ الأربعين دون تعيينهم و إنتدابهم”.
أما في حديثها عن الخطوات التصعيديّة المبرمجة أكّدت الأستاذة نورة الماكني أن إحتجاجات الأساتذة متواصلة و التي وصلت إلى حدّ الإضراب عن الطّعام في مناسبات مختلفة بسبب المماطلة المتواصلة و رغم الشّغور الكبير الذي تشهده المؤسسات النّاجم عن عدم تعويض المتقاعدين و الأساتذة المهاجرين ، فالوزارة اليوم لا تصنّف التربية البدنية كمادة أساسية مقابل إعتماد التربية الموسيقية و التربية التشكيلة كمواد أساسيّة.”
من جانب آخر فوّض المكتب التنفيذي لإتّحاد أصحاب الشهادات المعطّلين عن العمل لجملة من الأعضاء الجدد بقيادة عبد الحليم كامل في خطّة منسّق عام في 4 جانفي 2023 تكوين تنسيقيّة خرّيجي المعاهد العليا للرّياضة و التّربية البدنيّة لتمثيلهم و التخاطب بإسمهم مركزيا و جهويّا قصد تأطير نضالاتهم و مطالبهم وفق ما جاء في بلاغ الإتّحاد .
ظروف قاسية .. والهجرة هي الحلّ
تواصلنا خلال تحقيقنا مع بعض أساتذة التربية البدنيّة العاطلين عن العمل منهم خرّيجي الدّفعات الأخيرة ، للتعرّف على أوضاعهم في ظلّ “البطالة” و غياب الإنتداب لسنوات إذ إختار بعضهم إما تغيير المسار و إختيار العمل في مجالات أخرى وفق الفرص المتاحة و منهم كذلك من حالفه الحظّ و إختار العمل صلب فرق ونوادي وفق إختصاصه (كرة القدم / كرة اليد / الكرة الطائرة .. ) ورغم غياب الديمومة إلاّ أنها وسيلتهم الوحيدة لكسب الخبرة .. في حين وجد الكثير من الأساتذة في الهجرة سبيلا وحيدا و منفذا من “البطالة” خاصة نحو دول الخليج التي تستقطب العديد من الأساتذة التونسيين في مختلف الإختصاصات ورفضت مصادرنا التي تحدثت للريّاضيّة الإفصاح عن هويّاتها بإختيار شخصي إذ أكّدت لنا أنّ مسألة الإنتداب تهدّد كل خرّيجي المعاهد العليا للرّياضة و حتى الطّلبة الذين يزاولون تعليمهم إذ تراودهم أزمة البطالة وهم على مقاعد الدّراسة خاصّة و أن الأوضاع تتأزّم سنويّا رغم الإحتجاجات المتكررة و المفاوضات المتواصلة و التي غالبا ما تنتهي بوعود تمضي عليها السنوات دون تفعيلها و تركنها الوزارة في الخزائن ، وتابعت مصادرنا أن أغلب المتخرجين رغم إختصاصاتهم المختلفة يلجؤون إلى قاعات الرّياضة (تدريب خاص) و يندمجون صلب الفرق الرياضية بمختلف أصنافها.