12.9 C
تونس
23 نوفمبر، 2024
غير مصنف

مختصّون يعلّقون على طرق إقالة المدربين في تونس: شجاعة غائبة..تبريرات جاهزة وهروب من المواجهة

الرياضية – هاني ابراهمي


مع اقتراب نهاية الموسم الكروي في تونس، تتزايد في كل جولة إقالات المدربين من مناصبهم ولكن طرق الإقالات تبدو متشابهة للغاية خاصة أن عدد من الفنيين يتم تنصيبهم بالترحاب والكلام المعسول ثم تتم تنحيتهم من مسؤوليتهم بواسطة بلاغات جافة ومقتضبة وبضغط من الجماهير واستجابة من القائمين على دواليب الأندية، والحديث هنا عن أمثلة كثيرة على غرار منذر الكبير والمنتخب، لسعد جرة الشابي والنجم الساحلي، منتصر الوحيشي والنادي الإفريقي ومن قبلهم معين الشعباني والترجي..

وتبقى عديد الأسئلة المطروحة في هذا الصدد حول الأطراف المسؤولة عن الإقالات والتي تتخذ القرارات وسط شبه غياب للمشاريع الرياضية ولماذا تعوز الشجاعة مسؤولي النوادي ولماذا يهربون من المواجهة وتبريرات القرارات ؟ 


المدرب الحلقة الأضعف
أسئلة يجيبنا عنها المدرب اسكندر القصري في حديثه مع الرياضية حيث يقول ان المدرب في تونس دائما ما يكون هو الحلقة الأضعف وهو غير محمي من القرارات التي تتخذها الهيئات المديرة للأندية ضده، خاصة ان كانت النتائج التي يحققها ليست في قيمة تطلعات الجماهير والإداريين وهو ما يجعل عددا قليلة من النوادي التي تسلك طريق الاستمرارية الفنية في فرقها، لكن من ناحية أخرى توجد أندية لا تقوى على مقاومة الانتقادات فتجعل  من المدرب أول ضحية لتلك الانتقادات وأسهمها الحارقة.


ويضيف القصري أن عدد إقالات المدربين في صفوف أندية الرابطة المحترفة الأولى حتىى الآن قد بلغ حوالي 38 حالة وهو رقم يصفه بالمرعب خاصة أن عددا كبيرا من الأندية خاضت 14 مباراة فقط في موسمها (والحديث هنا عن الأندية التي أنهت الموسم في وسط الترتيب)، مشيرا إلى أن أندية أخرى لعبت 16 مباراة وفرقا أخرى ستلعب 24 مباراة وهذا التباين في عدد المباريات بين الأندية يجعل من كرة القدم في تونس لا تتطور ولا تدع مجالا لتحسن المردود الفني للاعبين بالإضافة إلى غياب الفرجة وهو أمر كان واضحا في عدد كبير من المباريات خلال هذا الموسم ان لم نقل أغلب المقابلات.


ويشدد المدرب السابق لفريق العدالة السعودي، على أن الأندية اليوم لا تملك أي مشاريع رياضية وأن اصعب أمر هو “الكاستينغ” الذي تقوم به الهيئات المديرة في اختيار المدربين المناسبين وذلك بسبب الظروف المتوترة المحيطة بأغلب الأندية، مؤكدا أن حالة النادي الإفريقي مثلا قد ساهمت في إقالة منتصر الوحيشي بما أن الامكانات التي يملكها والرصيد البشري الموجود على ذمته محدود نسبيا ولكنه رغم ذلك قد صنع فريقا محترما جدا رغم تذبذب آداء عديد اللاعبين وهي معضلة اللاعب التونسي، وفق تعبيره.كما أكد القصري في نهاية كلامه مرة أخرى أن المدرب هو الحلقة الأضعف ودائما هو من يتحمل مسؤولية الإخفاقات، مطالبا بحمايته بشكل أكثر من الناحية القانونية لكي يحصل على كامل مستحقاته في صورة اتخاذ قرار تنحيته من مهامه.


ويقول المدرب السابق يوسف الزواوي في حديثه مع الرياضية في هذا الموضوع أن طرق إقالة المدربين موضوع  مثير للجدل منذ سنوات، فطريقة اختيار المدربين في الأندية وكيفية وضع المعايير لذلك والأهداف التي يريد كل فريق تحقيقها مع مدرب معيّن تبقى هي النقاط المهمة، فالمدربون الذين تمت إقالتهم هذا الموسم يشتركون في سبب محوري وهو سوء النتائج، لكن تقييم النتائج من الإداريين لازال سطحيا وقائما على رغبات الجمهور الذي أصبح لا يقبل الهزيمة ويوجه حتى الإقالة مما يجبر المسؤولين على الرضوخ، اما المسؤولون الذين يرفضون الانصياع لطلبات تلك الجماهير ويتمسكون بمدربي أنديتهم ويستميتون في الدفاع عنهم عادة ما يجدون أنفسهم مجبرين على امتصاص الغضب من الأحباء خاصة اذا تواصلت النتائج غير المرضية.

ويشدد الزواوي على أن حالة الوحيشي في الافريقي وإقالته من مهامه جاءت بسبب الطموحات غير الواقعية من الجماهير، فالفريق لا يمكن له على أرض الواقع  أن يلعب على التتويج بعد سنة واحدة من صراعه على ضمان البقاء رغم أن الطموح مشروع (من الجماهير) رغم تعارضه مع لغة الميدان التي تؤكد أن الفريق لا يزال في طور البناء بخطى ثابتة تجلّت في عدد من المباريات هذا الموسم.


ويواصل الزواوي بقوله ان الحلقة الضعيفة من بين مكونات كل ناد هي المدرب، رغم أن نسبة مسؤوليته في الفشل لا تتجاوز 30 أو 40 بالمائة، فإذا كان لا يملك ممهدات وآليات النجاح في الفريق الذي يشتغل به، كالرصيد البشري الثري ووضعية مالية مريحة له وللاعبيه وأجواء طيبة فلا يمكن محاسبته على ذنب لم يقترفه أبدا وهو ما يجعله يكون ضحية انذاك وهذا لا ينفي فشله في بعض الحالات.
ويختتم يوسف الزواوي كلامه بالتأكيد على أن إقالات المدربين وتغييرهم بشكل دوري لا يخدم مصلحة اي كان من المتداخلين في كرة القدم في تونس، لا الجمهور الذي يريد لفريقه المنافسة على الألقاب وتحقيق نتائج مميزة ولا المسؤول الذي يريد اثبات صحة قراراته واختياراته ولا اللاعب الذي يسعى لتطوير نفسه على أرضية الملعب من موسم لآخر والمدرب الذي يريد العمل في ظروف مريحة وملائمة.


غياب مسؤولية المسؤولين 

ويقول الناطق الرسمي السابق للملعب التونسي أنيس الباجي في حديثه للرياضية ان “الجمهور الفايسبوكي” اصبح يؤثر كثيرا على أنشطة الجمعيات ويربك تسيير المسؤولين لدواليب أنديتهم بتأثرهم بما يكتب ويقال على صفحات موقع التواصل الإجتماعي “فايسبوك”، وهو ما يجعل من الضغط الجماهيري ضخما مما يجبر المسؤولين على اتخاذ القرارات بطريقة فورية وفيها الكثير من التسرع في أغلب الأحيان وذلك لتهدئة الأجواء وتجنب غضب وسخط الأحباء الذين أصبحوا اليوم يتجرؤون على إحداث عمليات عنف في مدرجات الملاعب وجميع المنشآت الرياضية.ويوضح الباجي أن المسؤول أضحى يخشى الجماهير ويخاف حتى على نفسه وعائلته مما يجعله لا يسيّر ناديه في أريحية وحرية بسبب الكم الهائل من الضغوطات وهو ما يغيب طرق الانفصال الحضارية بين كل ناد ومدربه، مضيفا بأن اللوم لا يجب أن يلقى على عاتق المسؤول أو المدرب فقط بل أن الظروف الملائمة عادة ما تكون غير متوفرة وهو ما يجعل من محاسبة ادارة النادي أو الأندية للمدرب وتقييم عمله بشكل موضوعي وعادل أمرا صعب المنال وعصي التوفر .


ويشير محدثنا إلى أن المدرب دائما يكون مطالبا ومجبرا على تحمل مشاكل صلب الفريق خارجة عن المستطيل الأخضر وهو ما يجعله عرضة لشبح سوء النتائج، متطرقا إلى مثال المدرب السابق للنادي الإفريقي منتصر الوحيشي الذي “أوقف” الترجي الرياضي التونسي تكتيكيا في مباراة الدربي ولقي اشادة من الجميع بتفوقه تكتيكيا على مدرب نادي باب سويقة راضي الجعايدي، لكن نفس الذين مدحوه في ذلك اليوم، انتقدوه بعد هزيمتي النادي الصفاقسي ثم النجم الساحلي وأخرجوه من الملعب بالشتائم والمقذوفات وهو ما يبين أن النتائج في كل مباراة هي التي تتحكم في مصير كل مدرب، فلو فاز أصبح أنجح مدرب وان انهزم اضحى أفشل ممرن.. وفق قوله.


ويقول المدير الرياضي لفريق شبيبة العمران واللاعب السابق عبد السلام بوحوش في حديثه مع الرياضية ان الطريقة التي تتعامل بها الأندية مع المدربين ليست محترفة وهو ارث تبناه الجيل الجديد من الأجيال التي سبقته وهذا ما يجعل إقالات المدربين اليوم تكون بطرق غير حضارية لكنه لا ينفي وجود بعض المدربين الذين يتطاولون بشكل أو بآخر على الهيئات المديرة لأندية عملوا بها وذلك بواسطة بعض “المافيات الفايسبوكية” التابعة لهذا المدرب أو ذاك وهذه الحالات شبه منعدمة في دول مثل أوروبا في حين أنها موجودة بكثرة في تونس، على حد تعبيره.ويؤكد بوحوش أن المسؤولين في كرة القدم التونسية أصبحوا بـ “صفر مسؤولية” وأنه يجب على إدارات الأندية عدم التعويل على أي مدرب لم يلعب كرة القدم مهما كانت شهائده التدريبية كما يجب أن لا يتقلد المسؤولون الذين لم يلعبوا كرة القدم أيضا أي مسؤولية فنية في أي فريق كان، موجها اللوم للمسؤولين الحاليين في جل الأندية على تساهلهم في عملهم والقاء اللوم على غيرهم عندما تسوء الأمور من ناحية النتائج خاصة.


ويقول وكيل اللاعبين لطفي الحاج محمد ان تعيينات المدربين وإقالتهم غير حضارية، لأن الأندية عند تفاوضها مع عدد معين من المدربين قبل اختيار أحدهم  تكون بصفة متكتمة جدا وهو ما يصفه محدثنا بسوء السياسة الاتصالية للأندية تجاه جماهيرهم في المقام الأول ونفس الشيء في المفاوضات مع اللاعبين، مشير في الآن ذاته إلى أن إقالات المدربين خاصة ما تكون بعض المباريات ببضع دقائق أو ساعات من المباريات وهو توقيت يسيطر فيه الغضب على الجميع وتكون فيه الأجواء مشحونة مما يجعل القرارات قد تصدر في لحظات انفعالية فتكون متسرعة نوعا مــا.


ويشدد الحاج محمد على أن إقالات المدربين تكون أيضا نتيجة لغياب السيولة المادية في بعض الأندية وعند عجز الهيئة المديرة عن تسديد المتخلدات لمدربها لعدد من الأشهر تقوم باقالته وتحاول ايجاد أرضية تفاهم معه لتخفيف دينه لديها وهذا الأمر موجود بكثرة في كرة القدم التونسية حسب قوله، خاصة أن عديد المدربين قد تقدموا بشكايات ضد أندية تونسية اشتغلوا فيها وهو ما يفسر غياب حرفية المسؤولين . 

صدر هذا المقال بالنسخة الورقية بتاريخ 23 ماي 2022

آخر الأخبار